الملك العام للدولة
من أول اهتمامات سلطات الحماية الفرنسية خلال السنوات الأولى من الحماية بسط يدها على الملك العام ومراقبة عمليات تدبيره. لأجل ذلك عملت على الفصل ما بين الملك العام والملك الخاص للدولة وأدخلت المفاهيم القانونية الجديدة في القانون الوضعي المغربي، كما هي مطبقة في فرنسا وبعض مستعمراتها كالجزائر وتونس.
وفي هذا الإطار صدرت دورية للصدر الأعظم مؤرخة في فاتح نونبر1912، تميز ما بين أملاك المخزن لا يمكن تفويتها إلا بترخيص من المخزن، وأملاك غير قابلة للتفويت وهي الطرق والمسالك وشواطئ البحر والموانئ والأنهار والبنايات العمومية وأسوار المدن.ثم بعد ذلك صدر ظهير شريف بتاريخ فاتح يوليوز1914حول الملك العام، الذي وضع الأسس والقواعد القانونية للملك العام للدولة والجماعات المحلية.
حيث حدد خصائص الملك العام في عدم قابلية تفويته أو تملكه بالتقادم وكيفية استخراجه من حيز الملكية العامة ومسطرة جديدة لتحديده.
وقد جاء الظهير الشريف بتاريخ30نونبر1918في شأن الاحتلال المؤقت للملك العمومي لتحديد مسطرة استغلاله ومراقبته وحمايته.
وقد تم تمديد تطبيق التشريع المطبق على منطقة الحماية الفرنسية إلى منطقة الحماية الإسبانية وإلى منطقة طنجة الدولية بمقتضى الظهير الشريف الصادر في31ماي1958وعلى المرسوم الصادر في 2يونيو1958في هذا الشأن.
I- تعريف الملك العام ومعايير تميزه عن الملك الخاص.
ومفهوم الملك العام تطور بتطور الاجتهادات الفقهية والقضائية خاصة بفرنسا والقوانين المنظمة للملكية العامة.
ولا مجال للتفصيل في بيان المدارس أو التيارات الفقهية في فرنسا. فهناك المدرسة التي تعتبر الملك العام هو الملك العام الطبيعي كالشواطئ والأنهار والمخصصة للمنفعة العامة، والمدرسة التي ترتكز على المرفق العام
أي الملك العام المخصص لتسيير المرفق العمومي كالطرق والملاعب الرياضية والمحطات الطرقية.
أما الاتجاه الثالث فقد جمع بين الاتجاهين السالفي الذكر، فالملك العام هو مجموع الأملاك المخصصة للمنفعة العامة إما للاستعمال المباشر من طرف العموم أو المرفق العام.
من هذه الاتجاهات الفقهية يمكن إجمال معايير تميز الملك العام كما يلي:
ü أن يكون الملك في ملكية شخص معنوي عام كالدولة أو الجماعة المحلية.
ü أن يكون مخصصا للمنفعة العامة، إما بالاستعمال المباشر من طرف العموم أو لتسيير مرفق عام.
ü الأملاك المخصصة للمرفق العام يجب أن تكون موضوع تهيئة خاصة لهذا الغرض.
والمشرع المغربي لم يضع تعريفا دقيقا للملك العام وقد جاء في الظهير الشريفالمؤرخفي فاتح يوليوز1914 "بأن الأملاك العمومية لايسوغ لأحد أن ينفرد بتملكها لأنها على الشياع بين الجميع وتتكفل الدولة بتدبير أمرها".
وقد عدد المشرع في الفصل الأول من نفس الظهير الأملاك التي يمكن إدراجها ضمن الملك العام:
*شاطئ البحر الذي يمتد إلى الحد الأقصى من مد البحر عند ارتفاعه مع منطقة عرضها6أمتار تقاس من الحد المذكور.
* الأخلجةوالمراسي والموانئ وملحقاتها.
* المنارات والفنارات وعلامات الإرشاد البحري .
* مجاري المياه مع منابعها والمستنقعات والبحيرات.
* الطرق والمسالك والأزقة والسكك الحديدية والقناطر والسدود.
*خطوط الهاتف والتلغراف.
* تجهيزات الدفاع الوطني والتحصينات العسكرية.
وهذه الأملاك لم تأت على سبيل الحصر، إذ يمكن أن تضاف إليها أملاك أخرى، حيث جاء في نهاية الفصل الأول بصفة عامة كل الأراضي والمرافق التي لا يمكن للأفراد أن يتملكوها لأنها مشاعة.
فالمعيار الذي أخذ به المشرع المغربي في بداية القرن 20، هو عدم قابلية الملك العام للتملك من طرف الخواص أي أنه ملك عام ، وهو ملك مخصص لاستعمال الجميع، أي أنه مخصص للمنفعة العامة وتتولى الدولة تدبيره.
وقد تبين من خلال مشتملات الأملاك العامة السالفة الذكر، وجود أملاك عمومية طبيعية كالشواطئ والأودية والتجهيزات المخصصة للاستعمال المباشر من طرف العموم. وأملاك عمومية اصطناعية كالموانئ والسدود والطرق والقناطر وعلامات الإرشاد البحري وهي أملاك مخصصة لتسيير المرفق العام والاستعمال غير المباشر من طرف العموم، عن طريق هذه المرافق ، وتتولى الدولة أمر تدبيرها.
وبالتالي نستنتج أن المشرع المغربي أخذ بمعايير تمييز الملك العام المشار إليه سابقا.
-IIالترتيب والإستخراج:
إن ملكية الأشخاص المعنوية العامة للملك العام وتخصيصه للمنفعة العامة، إما بالاستعمال المباشر من طرف العموم أو غير المباشر عن طريق المرفق العام، ما هي إلا معايير تساعد الإدارة على تمييز الملك العام عن الملك الخاص.
أما إضفاء صفة الملكية العامة فيتم بالتخصيص الشكلي، إما بنص القانون الفصل الأول من ظهير فاتح يوليوز1914 أو التخصيص الشكلي بمرسوم للوزير الأول، يصدر باقتراح من وزير التجهيز والنقل، أو بإعلان المنفعة العامة عن طريـق نزع الملكيـة لأجل المصلحة العامـة أو تعيـين حـدود الأمـلاك العمومية بمرسوم للوزير الأول يصدر بعد بحث عمومي بناء على طلب وزير التجهيز والنقل تطبيقا لمقتضيات الفصل السابع من الظهير الصادر في فاتح يوليوز1914المتعلق بالملك العام.
وإذا كان ترتيب الملك العام يتم بمرسوم للوزير الأول، فإن استخراج أجزاء من هذا الملك إلى الملك الخاص للدولة يتم بمرسوم للوزير الأول، باقتراح من وزير التجهيز والنقل، إذا انتفت عنه صفة المنفعة العامة، تطبيقا لمقتضيات المادة الخامسة من الظهير الشريف المنظم للملك العام السالف الذكر.
-IIIالإحتلال المؤقت للملك العام:
إذا كان الملك العام غير قابل للتملك الخاص ولا يمكن الحجز عليه أو تملكه بالتقادم أو نزع ملكيته، لأنه مخصص للمنفعة العامة، فقد رخص المشرع بإمكانية استغلاله من طرف الخواص عن طريق الإحتلال المؤقت. ويدخل الترخيص بالإحتلال المؤقت للملك العمومي للدولة، ضمن اختصاصاتوزيرالتجهيز والنقل تطبيقا لمقتضيات المادتين الثانية والثالثة من الظهير الشريف الصادر في30نونبر1918المتعلق بالإحتلال المؤقت للملك العام أو والي الجهة بالتفويض منه.
وبالرجوع لمقتضيات هذا الظهير، فالإحتلال المؤقت يمنح للأفراد أو الأشخاص المعنوية العامة والخاصة، بمقتضى قرارات فردية يوقعها وزير التجهيز والنقل باسم المستفيد أو والي الجهة بالتفويض منه.
فتطبيقا لمقتضيات قرار وزير التجهيز رقم02-368صادر بتاريخ5مارس2002بتفويض السلطة إلى ولاة الجهات، فإن الترخيص بالاحتلال المؤقت للملك العام للدولة والتي كانت من اختصاص وزير التجهيز، تم تفويضها لوالي الجهة، إذا تعلق الأمر بإنجاز مشاريع الاستثمار في قطاعات الصناعة والتصنيع الفلاحي والمعادن والسياحة والصناعة التقليدية، يقل مبلغها عن200مليون درهم.
ووزير التجهيز يبقى من اختصاصه منح رخص الاحتلال لمؤقت في المجالات والأنشطة الأخرى كالسكن والإدارة، بالإضافة إلى المشاريع التي يتعدى مبلغ استثمارها200مليون درهم في القطاعات السالفة الذكر.
كما يتولى الترخيص بالاحتلال المؤقت للملك العام الموضوع رهن إشارة المؤسسات العمومية والشركات صاحبة امتياز تدبير المرفق العمومي تطبيقا للقوانين الجاري بها العمل:
ü المكتب الوطني للماء الصالح للشرب؛
ü مكتب استغلال الموانئ؛
ü وكالات الأحواض المائية؛
ü المكتب الوطني للمطارات؛
ü الشركة الوطنية للطرق السيار.
ويحدد قرار الاحتلال المؤقت الإتاوة السنوية المفروضة على استغلال الملك العام، بناء على المبالغ المحددة في القرارات المشتركة لوزير التجهيز و النقل ووزير المالية الصادرة في هذا الشأن.
وتحدد مدة الاحتلال المؤقت في عشر سنوات كمدة قصوى، يمكن تمديدها بصفة استثنائية إلى20سنة، إذا تعلق الأمر بإنجاز مشروع استثماري هام.
وهذه الرخصة تعطى بصفة مؤقتة، يمكن سحبها بدون تعويض لأسباب المصلحة العامة أو بمقتضى القانون، إذا لم يحترم المستفيد الالتزامات المفروضة عليه.
وبصفة عامة فالملك العام للدولة، يحظى بحماية قانونية كبيرة، لأنه مخصص للمنفعة العامة وموارده المالية ضعيفة، بحكم عدم تطبيق قواعد تدبير اقتصادي.
كما أن المدة المحددة في عشرين سنة والطابع المؤقت لرخصة استغلال الملك العام، والتي يمكن سحبها، لأسباب المنفعة العامة أو بحكم القانون وغياب مبدأ التعويض عند سحب الرخصة، تعتبر عوامل لاتساعد على تنمية الملك العام وإنجاز مشاريع مهمة من طرف المستثمرين.