إنشاء النظام الملكي واختيار الملك والنظام الاتحادي قرارات تمت بدون استفتاء شعبي، ووضع الدستور عن طريق جمعية تأسيسية معينة بالتساوي بين الأقاليم الثلاثة، ولم ينص الدستور على ضرورة المصادقة عليه باستفتاء عام أو من طرف أول مجلس نيابي منتخب لإعطائه الصبغة الشرعية الديمقراطية. ولضمان إقامة هذا النظام الملكي الاتحادي استدعى الأمر اختيار فئة من السياسيين المعتدلين ترتبط مصلحيًا بهذا النظام، وتتعاون مع الدول التي كانت تدير البلاد، خاصة في المراحل الأولى للاستقلال.
ورغم أن الدستور كان من أحدث الدساتير وأشرف على إعداده أكبر خبراء القانون الدستوري في العالم، وضمن جميع الحقوق والحريات والتوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، إلا أن صدوره من طرف هيئة معينة، وإرساء نظام اتحادي يحدد اختصاص الاتحاد ويركز السلطات في أيدي الولايات، وينص على إنشاء ثلاث حكومات لثلاث ولايات، وثلاثة مجالس تشريعية، وثلاثة ولاة بالتعيين المباشر بأمر ملكي وليس بمرسوم تصدره الحكومة الاتحادية، ومراعاة المساواة في التمثيل في مجلس الشيوخ المعين بين الولايات وفي الحكومة والمناصب الهامة والرئيسية، كل هذا جعل من الناحية الواقعية تركيز السلطات الحقيقية في يد الملك. وقد تعززت هذه السلطات بمرور الوقت وأصبحت تقليدًا دستوريًا للبلاد.
وبعد حل الأحزاب السياسية، ومنع إنشاء أي تنظيم سياسي وتقييد الصحافة، لم يجد الرأي العام الليبي منصة للتعبير عما كان يجري سوى القيام بالمظاهرات من حين لآخر أو إنشاء تنظيمات سرية. كان الترشيح والانتخاب لمجلس النواب يجري على أساس شخصي فردي وقبلي وإقليمي وليس على أساس برنامج حزبي يعبر عن رغبات فئات الشعب وتطلعاتها وانتماءاتها ومذاهبها. وكان من بين النواب في المراحل الأولي للاستقلال أفراد معروفين بانتماءاتهم الحزبية السابقة يكوّنون ما يعرف بالمعارضة آنذاك. والحقيقة أنه رغم احتكار القرار السياسي، إلا أن البلاد كانت تتمتع بكثير من الحريات الفردية والاقتصادية وحقوق الإنسان ومتطلبات الأمن التي لم تكن توجد في بقية دول العالم العربي آنذاك، وقد أمكن حتى تحدي السلطة أمام القضاء وإصدار أحكام ضدها.