الامبراطورية العثمانية إلى نهاية القرن السابع عشر للميلاد قوية إلى درجة لا يستهان بها. وكانت قد وصلت جيوشها إلى قلب أوربا وقهرت الكثير من أمرائها وملوكها. ومن هنا كانت تعتبر حامية الإسلام، ومطمح أنظار المسلمين. وكان السلطان العثماني، وهو خليفة المسلمين، يتوجه إليه المسلمون للدفاع عن بلادهم، ودفع الاذى عنهم.
لكن الدولة العثمانية دب الضعف فيها في أواخر القرن السابع عشر، ثم تردت في مهاوي الانحطاط في القرن الثامن عشر، فطمع الأوربيون في الاقطار التي كانت تحت سلطانها، وانتهز المتغلبة على الأطراف في ولاياتها تلك الفرصة، فانشأوا لهم إمارات وحكومات لم تكن تعترف للعثمانيين بغير السيادة الإسمية. ولم يكن من قبيل المصادفة أن ينشئ حسن باشا وابنه احمد باشا ومماليكهما شبه دولة مستقلة في العراق، ويقوم آل العظم والشهابيون والشيخ ظاهر العمر بمثل ذلك في سورية ولبنان، ويعلن على بك الكبير استقلاله بمصر، ويقيم آل القرمانللي دولة تكاد تكون مستقلة في طرابلس الغرب وبرقة، كل ذلك في القرن الثامن عشر.
وأمام هذا الضعف الذي استحوذ على الدولة العثمانية، وعجزها عن دفع الضرر عن رعاياها وبلادهم، فقد المفكرون من المسلمين أملهم في الدولة، وراحوا يهتمون باصلاح العالم الإسلامي اصلاحاً داخلياً، فنشطت الجماعات والطرق إلى ذلك، ولو أن أكثر هؤلاء لم يفكروا بالانسلاخ عن دولة الخلافة، أملاً في أن يكون الإصلاح الإسلامي باعثاًعلى إحياء الدولة نفسها.
ومع أن المغرب كانت فيه نزعات مثل هذه تبدو جلية في قوة الطرق الصوفية وجماعات الاخوان ورغبتهم في الإصلاح والإحياء، فإن قيام المفكر والمصلح القوي تأخر هناك إلى أوائل القرن التاسع عشر، حتى تم ذلك على يد السيد محمد بن علي السنوسي مؤسس السنوسية وقطبها الأكبر
ولعله من الخير هنا أن نتناول هنا تراجم زعماء الحركة الثلاثة الأوائل باختصار، وهم السيد محمد بن علي المؤسس (1276-1253/ 1827 – 1859) وابنه السيد المهدي (1276 – 1320/ 1859-1902) والسيد أحمد الشريف (1320- 1336/ 1902- 1918) ثم نعرض للسنوسية نفسها، لنبين الخدمات التي قدمتها هذه الطريقة الفذة للإسلام والمسلمين، وفي إعادة الحياة إلى جزء هام من شمال افريقيا خاصة، ونشر الإسلام في أجزاء كثيرة من افريقيا نفسها........