ذ· كمال زين العابدين
ما هو الحل الذي اختاره المشرع لإنصاف الزوجة أو الزوج الذي يكون قد تضرر من سوء معاشرة الطرف الآخر وعجز عن إثبات هذا الضرر؟ ما هي مسطرة الشقاق وهل تعفي الزوجة أو الزوج من إثبات الضرر؟ وما هي أهمية الإثبات إن كان ضروريا في هذه المسطرة؟ عن هذه الأسئلة وغيرها، يجيبنا الأستاذ ذ· كمال زين العابدين في المقال التالي:
الإثبات هو السعي إلى إقامة البرهان على أن واقعة معينة قد حدثت بالفعل أو لم تحدث، أو على أن إدعاء معينا يوافق الحقيقة أو يخالف الحقيقة (1)·
وإذا كان الإثبات في المادة المدنية مقيدا إذ حدد المشرع وسائل محددة لإثبات الالتزامات والاتفاقات المدنية، فإنه في مدونة الأسرة أعطى للزوجة إثبات الضرر بكافة وسائل الإثبات بما فيها شهادة الشهود، الذين تسمع إليهم المحكمة في غرفة المشورة (2) على أن العمل القضائي المتواتر أثبت أن الزوجة المتضررة من سلوكات الزوج غالبا ما تعجز عن إثبات الضرر·
فما هو الحل الذي اختاره المشرع لإنصاف الزوجة أو الزوج الذي يكون قد تضرر من سوء معاشرة الطرف الآخر؟ وهل مسطرة الشقاق تعفي الزوجة أو الزوج من إثبات الضرر؟ وما هي أهمية الإثبات إن كان ضروريا في مسطرة الشقاق؟
مسطرة الشقاق
تنص مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 100 من مدونة الأسرة "إذا لم تثبت الزوجة الضرر أو أصرت على طلب التطليق، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق"· ويظهر من خلال هذه الفقرة أن المشرع المغربي، ورغم إقراره في الفقرة الأولى بحرية إثبات وقائع الضرر بكل وسائل الإثبات، إلا أنه أحال الزوجة التي لم تفلح في إثبات وقائع الضرر إلى مسطرة الشقاق· وعليه، فإنه يحق للزوجة تقديم طلب إلى المحكمة من أجل حل نزاع بينها وبين زوجها يخاف من الشقاق وعلى المحكمة أن تصلح ذات البين بين الطرفين (3)· والطلب يقدم إلى المحكمة طبقا لمقتضيات المادة 31 و32 من قانون المسطرة المدنية ويتم استدعاء الطرفين لغرفة المشورة طبقا لمقتضيات الفصل 36 و37 و38 و39 من نفس القانون· وبحضور الطرفين لغرفة للمشورة تحاول المحكمة البحث عن سبب الشقاق والمشرع أعطى للمحكمة أن تقوم بكافة الإجراءات التي تراها كفيلة بحل النزاع بين الطرفين كانتداب حكمين أو عن طريق مجلس العائلة·
غير أنه، في حالة وجود أطفال، تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما (4)· فما هي، إذن، السلطة المخولة للحكمين؟
تجدر الإشارة إلى أن في هذه المسألة رأيين:
1 - الرأي الأول: يرى أنه ليس للحكمين أن يفرقا إلا برضى الزوجين لأنهما وكيلان عنهما ولا بد من رضى الزوجين فيما يحكمان به وحجة هذا الاتجاه أن الله سبحانه وتعالى لم يضف إلى الحكمين إلا الإصلاح·
2 - الرأي الثاني: يرى أن للحكمين أن يلزما الزوجين بدون إذنهما ما يريان فيه مصلحة· وحجة من قال بهذا أن الله أعطاهما صفة الحكم (5)·
وقد أخذت مدونة الأحوال الشخصية سابقا ومدونة الأسرة حاليا برأي الاتجاه الأول إذ تم تقييد سلطة الحكمين، وجعلتها مقتصرة على رفع تقرير إلى المحكمة بعد العجز عن الإصلاح· وهكذا تنص المادة 95 من مدونة الأسرة على أنه يقوم الحكمان أو من في حكمهما باستقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين ببذل جهدهما لحل النزاع، فإذا توصلا إلى الإصلاح بين الزوجين حررا مضمونا في تقرير من ثلاث نسخ يوقعها الحكمان والزوجان، ويرفعانه إلى المحكمة التي تسلم لكل واحد من الزوجين نسخة منه وتحفظ الثالثة بالملف ويتم الإشهاد على ذلك بالملف.
اما في حالة فشل محاولة الصلح تثبت المحكمة ذلك في محضر وتحكم بالتطليق·
آثار مسطرة الشقاق
وعليه، فإن دور الحكمين في مسطرة الشقاق هو محاولة إصلاح ذات البين بين الطرفين· والمحكمة من خلال المناقشة التي تجري في غرفة المشورة وما تضمنه تقرير الحكمين تحدد سبب الشقاق ومن المسؤول عنه، ومن هو الطرف الذي سوف يتضرر من التطليق الذي يبقى نتيجة حتمية في حالة تعذر الإصلاح· والمحكمة في حالة اقتناعها بأن الزوجة هي الطرف الذي تضرر من التطليق، فإنها تطبق مقتضيات المواد 83 و84 و85 من مدونة الأسرة آخذة بعين الاعتبار مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن تحكم به على المسؤول عنه من مستحقات لفائدة الزوج الآخر (7)·
وبالرجوع إلى مقتضيات المواد 83 و84 و85 من مدونة الأسرة نلاحظ أن المشرع المغربي يتحدث عن مستحقات الزوجة والأطفال من نفقة وصداق مؤخر ومتعة على أن يراعى في تحديد هذه الأخيرة فترة الزواج والوضعية المالية للزوج وأسباب الطلاق ومدى تعدي الزوج في وقوعه· لكن إذا كانت الزوجة هي المتعسفة في التطليق فإن الزوج كذلك سوف يتضرر ومن العدل والإنصاف تعويضه عن الضرر الذي لحقه·
وفي غياب التنصيص على ذلك في مدونة الأسرة تطبق مقتضيات الفصل 77 و78 من قانون الالتزامات والعقود·
غير أنه وجب التذكير بأن الأحكام الصادرة في دعوى الشقاق لا تقبل أي طعن تطبيقا لمقتضيات المادة 128 من مدونة الأسرة التي تنص على أن "المقررات القضائية الصادرة بالتطليق أو بالخلع أو الفسخ طبقا لأحكام هذا الكتاب تكون غير قابلة لأي طعن في جزئها القاضي بإنهاء العلاقة الزوجية.
ويظهر أن المشرع المغربي ورغبة منه في إنهاء النزاع الذي جعل عمره لا يتجاوز ستة أشهر (
انطلاقا من رفع الطلب من أحد الزوجين إلى حين صدور الحكم غير قابل لأي طعن سواء كان عاديا أو غير عاد، ومن ثمة لا يبقى أمام الطرف الذي تضررمن الحكم القاضي بالتطليق إلا الطعن في مستحقاته· وهذا التطليق يكون بائنا (9)· ومعلوم أن الطلاق البائن يزيل الزوجية حالا، ولا يمنع من تجديد العقد إلا إذا كان مكملا للثلاث·
وإذا كان من الواجب على كل من الزوجين أن يحسن معاشرة الآخر ويخلص له حتى تكون بينهما سعادة وهناء، فإنه في بعض الأحيان قد يتضرر أحدهما من الآخر؛ وبالتالي يصبح دوام العشرة بين الزوجين جحيما مما يدفع أحدهما أو هما معا إلى رفع الأمر للمحكمة (10) معتمدا على وسائل الإثبات التي يقررها القانون من إقرار الخصم والحجة الكتابية وشهادة الشهود واليمين والنكول عنها (11)، فإنه غالبا ما يصعب على أحد الزوجين إثبات الضرر، لأن أسباب النزاع تكون في الأصل من الأسرار الزوجية· والأمر هنا لا يثير إشكالا للزوج باعتباره هو من يوقع الطلاق سواء في مدونة الأسرة الحالية أو مدونة الأحوال الشخصية السابقة، لكن في المقابل كانت الزوجة تجد صعوبة في مسطرة التطليق للضرر نظرا لصعوبة الإثبات· أضف إلى ذلك فإن الطلاق الخلعي يبقى متوقفا على إرادة الزوجين، وقد يكون في بعض الأحيان سببا في ابتزاز الزوجة التي تود مخالعة نفسها بأي ثمن·
ويظهر من خلال كل هذا أن الزوجة أصبحت تتوفر على وسيلة ناجعة لتطليق نفسها دون حاجة لإثبات الضرر؛ وذلك للحد من عدوانية وبطش الزوج الذي كان يترك الزوجة معلقة، على أن أهمية إثبات الضرر في مسطرة الشقاق تبقى نسبية في تحديد المسؤوليات وما ينتج عنها من تعويض·
المراجع المعتمدة:
1) الدكتور عياط، "شرح المسطرة الجنائية" الجزء الأول ص 227 2) المادة 82 من مدونة الأسرة 3) المادة 94 من مندوة الأسرة 4) المادة 82 من مدونة الأسرة 5) شرح مدونة الأحوال الشخصية المغربية، الطبعة الثانية ص 234 - ذ عبد الكريم شهبون 6) المادة 95 من مدونة الأسرة 7) المادة 97 من مدونة الأسرة
الفقرة الأخيرة من المادة 97 من مدونة الأسرة 9) المادة 122 من مدونة الأسرة 10) المادة 99 و100 من مدونة الأسرة 11) الفصل 404 من قانون الالتزامات والعقود