قراءة في مدونة تحصيل الديون العمومية
الصادرة في 3 ماي 2000
محمد محبوبي
دكتور في الحقوق
لقد صدرت مدونة تحصيل الديون العمومية بمقتضى ظهير شريف رقم 1.00.175 بتاريخ 28 محرم 1421 الموافق لـ 3 ماي 2000 والتي نشرت بالجريدة الرسمية عدد 4800 بتاريخ فاتح يونيه 2000، هذه المدونة حلت محل تشريعين قديمين ومتجاوزين هما : الظهير الشريف الصادر في 21 غشت 1935 والظهير الشريف الصادر في 22 نونبر 1924 بحيث جاءت بمجموعة جديدة من المبادئ والقواعد في مجال تبسيط المساطر الإدارية المتعلقة بتحصيل الديون العمومية ومجموعة من الضمانات الهامة المعترف بها للمدينين للخزينة العامة.
إذن، فالتحصيل يعني القيام بالعمليات الضرورية لاستيفائها من الملزمين بها وتوريدها لخزينة الدولة طبقا لقواعد قانونية محددة ولا يتم هذا التحصيل إلا بتوافر شروط استحقاقها وقيام الجهة المختصة بتحديد مقدارها. ولقد عرفت المادة الأولى مدونة تحصيل الديون العمومية الجديدة والصادرة بمقتضى ظهير 3 ماي 2000 التحصيل بأنه مجموع العمليات والإجراءات التي تهدف إلى حمل مديني الدولة والجماعات المحلية وهيآتها والمؤسسات العمومية إلى تسديد ما بذمتهم من ديون بمقتضى القوانين والأنظمة الجاري بها العمل أو ناتجة عن أحكام وقرارات القضاء أو عن الاتفاقات، ولقد أشارت المادة الثانية إلى مختلف الديون العمومية الخاضعة للمدونة واستثنت من ذلك الديون ذات الطابع التجاري بحيث تبقى خاضة للقواعد العامة، كما حددت المدونة الأشخاص المكلفين بتحصيل الديون العمومية ومن بينهم كتاب الضبط بمحاكم المملكة بالنسبة إلى الغرامات والإدانات النقدية والصوائر القضائية والرسوم القضائية، إلا أنها لم تحدد الإطار أو الشخص المكلف بهذه العملية أي أن العبارة جاءت غامضة مما نستشف ان كل الموظفين التابعين لجهاز كتابة الضبط يعدون محاسبين مع العلم أن رئيس كتابة الضبط هو الشخص الوحيد الذي يعد وكيلا للحسابات ولهذا كان على المشرع أن يشير إلى صفة وكيل الحسابات التابعين للمحاكم كما فعل مع باقي المحاسبين المكلفين بالتحصيل.
والتحصيل يكون إما رضائيا أو جبريا :
التحصيل الرضائي يكون خلال الفترة الممتدة بين تاريخ الشروع في التحصيل والإصدار وتاريخ الاستحقاق.
فإن المحاسب المكلف بالتحصيل يرسل إشعار لمدين يتضمن بيان نوع الدين والمبلغ الواجب أداؤه وتاريخي الإصدار والاستحقاق، وتستحق الديون العمومية غير التي تمت الإشارة إليها في المواد 13 و14 و15 من مدونة تحصيل الديون العمومية منذ انصرام الأجل 30 يوما من تاريخ إصدارها فيما يخص الغرامات والإدانات النقدية والصوائر والمصاريف القضائية تستحق بمجرد أن يكتسب قرار الإدانة قوة الشيء المقضي به، أما طرق أداء هذه الديون العمومية إما نقدا أو بواسطة الشيك أو عن طريق تحويل أو الدفع لفائدة حساب مفتوح في إسم المحاسب المكلف بالتحصيل أو بأي وسيلة أخرى للأداء المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل إلا أن استخلاص الديون عن طريق الشيك يؤدي غالبا إلى خلق بعض الإشكاليات المحاسبية كحالة التأخير الحاصل في تحويل المبالغ إلى حساب المحاسب هذا الأخير يفرض عليه تقييده في حسابات مداخيل شهر إصداره، حيث ينتج عن تأخير تحويله لحساب، إدراجه في حساب شهر آخر غير المقيد بالسجلات، كما أنه في حالة انعدام الرصيد، قد يلجأ وكيل الحسابات إلى المساطير الجاري بها العمل والتي أشار إليها المشرع في الكتاب الثالث من قانون رقم 95 ـ 15 المتعلق بمدونة التجارة الجديدة وخاصة القسم الثالث المتعلق بالشيك الباب الحادي عشر الذي جاء تحت عنوان أحكام عامة وزجرية وذلك من خلال المادة 316 التي جرمت مجموعة من الأفعال التي تصدر من الساحب باعتبارها تنطوي على إخلال بالثقة الواجب توافرها في الشيك ولهذا فإن مسؤولية المكلفين بتحصيل الديون العمومية تكون جسيمة.
التحصيل الجبري : يكون إذا انصرم الأجل القانوني ودون أداء إرادي أو طوعي بصناديق الخزينة.
ويشمل التحصيل الجبري مسطرتين : مسطرة عادية وأخرى خاصة.
أولا مسطرة التحصيل الجبري العادي: بحيث يباشر هذا التحصيل بناء على سندات تنفيذية تصدر في شكل أوامر للتحصيل يمكن أن تكون جماعية أو فردية فالمادة الرابعة من المدونة قد حددت هذه الأوامر، بحيث نصت على ما يلي :
تستوفي الديون العمومية:
ـ عن طريق الأداء التلقائي بالنسبة إلى الحقوق الواجب دفعها نقدا.
ـ أو بواسطة تصريح الملزمين بالنسبة إلى الضرائب المصرح بها.
ـ أو بموجب أوامر بالمداخيل فردية أو جماعية يصدرها وفقا للقانون الآمرون بالصرف المختصون.
يتم إصدار أوامر المداخيل الجماعية على شكل :
ـ جداول أو قوائم الإيرادات بالنسبة إلى الضرائب والرسوم.
ـ سجلات الحراسة بالنسبة إلى المداخيل وعائدات أملاك الدولة.
ويتم إصدار أوامر المداخيل الفردية على شكل :
ـ جداول وقوائم الإيرادات الفردية أو سندات المداخيل أو التصريح للجمرك.
ـ مستخرجات سجلات الحقوق الثابتة بالنسبة لحقوق التسجيل والتنبر
ـ مستخرجات الأحكام أو قرارات العجز.
ولقد حددت المادة الثالثة من المدونة الأشخاص المؤهلين بتحصيل الديون العمومية، أما المادة 29 من نفس المدونة فقد حددت الأشخاص الذين يمكن القيام في حقهم بالتحصيل الجبري، فالتحصيل يباشر ضد المدين أي الشخص الذي جاء إسمه في الحكم، ثم هناك أشخاص آخرين حددتهم المواد من 93 إلى 99 من مدونة تحصيل الديون العمومية وهم:
أ) الخلق العام : فتطبيقا لمدونة الأحوال الشخصية وقانون المسطرة المدنية، فإن التركة لا يمكن أن تقسم بين الورثة إلا بعد إخراج الحقوق المتعلقة بذمة الهالك وإذا كان الأصل أنه لا يتم تقسيم تركة الهالك إلا بعد تصفيتها من طرف قاضي وذلك حسب المادة 289 مدونة الأحوال الشخصية و257 قانون المسطرة المدنية، فيتعين على المكلف بتحصيل الديون العمومية أن يتخذ كافة التدابير التي تحفظ للدولة ديونها.
الخلق الخاص: هو ذلك الشخص الذي يكتسب من فوته له ويقصد به في المعنى الوظيفي لاستخلاص الضريبي من يحوزون بين أيديهم أموالا أو منقولات تعود للملزم بالضريبة، والخلق الخاص في مدونة تحصيل الديون العمومية هم الأغيار المسؤولين أو المتضامنين أو الحائزين والتي خصصت لهم مدونة تحصيل الديون العمومية مواد من 93 إلى 104 بحيث يجب مثلا على مشتري العقار أن يطالب بالإطلاع على وصولات أو شهادة من مصالح التحصيل تثبت أداء الضرائب والرسوم المثقل بها هذا العقار برسم سنة التفويت والسنوات السابقة، وإذا لم يقم هذا المشتري بذلك فإنه الزم تضامنيا مع البائع بأداء الضرائب والرسوم المذكورة.
كذلك بالنسبة لمشتري الأصل التجاري فإنه يجب عليه أن يتأكد من أداء الضرائب والرسوم الواجبة على البائع في تاريخ التفويت برسم النشاط المزاول وذلك استنادا على شهادة يسلمها المحاسب المكلف بالتحصيل.
كما أن تحصيل الديون العمومية من الشركات لها في هذا المجال بعض الخصوصيات تستند أساسا على نوع الشركات وطبيعة النشاط الذي تمارسه تبدأ المتابعة في حق الشركة على أملاكها المنقولة ثم العقارية حتى إذا تعذر ذلك أو تعرضت الشركة للإفلاس، فإن المتابعات تقع مباشرة على عاتق الشركاء أو لجزء منها حسب طبيعة التشارك، وهذا ما أشارت إليه المادة 98 من مدونة تحصيل الديون العمومية حيث نصت على أنه " إذا تعدر تحصيل الضرائب كيفما كانت طبيعتها والغرامات والزيادات وصوائر التحصيل المرتبطة بها الواجبة على شركة أو مقاولة نتيجة أعمال تدليسية مثبتة قانونا، أمكن جعل المديرين أو المتصرفين أو المسيرين الآخرين مسؤولين على وجه التضامن مع الشركة أو المقاولة عن أداء المبالغ المستحقة وذلك إذا لم يكونوا ملزمين بأداء ديون الشركة تطبيقا لأحكام أخرى".
ولهذا، فبالنسبة للشركات المجهولة الاسم يكون الضمان الكافي للمساهمين هو الذمة المالية للشركة، غير أن هذا لا يعني أن الشريك لا يتحمل أعباء دين الشركة، بحيث يمكن متابعة المساهم الذي لم يؤد مقابل أسهمه كاملا، باعتباره حائزا لأموال الشركة، بحيث يمكن متابعة المساهم الذي لم يؤد مقابل أسهمه كاملا، باعتباره حائزا لأموال الشركة ومدينا لها بمقابل الحصص غير المحررة من رأسمال الشركة.
أما الشركات ذات المسؤولية المحدودة فلا يتحمل الشركاء مسؤولية دين الشركة التي تعتبر أموالها هي الضمان الوحيد لديون الخزينة العامة، بحيث لا يمكن اعتبار مسؤوليتهم إلا في حدود ضيقة.
في حين أن شركة التوصية البسيطة يتحمل فيها الشركاء المسؤولية الشخصية على اعتبار متضامنين في جميع ديون الشركة مما جعل المشرع يمنح الحق لعون المتابعات في متابعة الشريك في أمواله الخاصة.
إلا أن شركات التضامن حيث يكون الشركاء متضامنين في الدين يمكن متابعة الشركاء مجتمعين أو على انفراد في أموالهم الخاصة، استنادا إلى قاعدة التضامن لإرغام أي منهم على تأدية ما بذمة الشركة من ديون كما يمكن ملاحقة الشركة لأدائها.
كما أن مدونة تحصيل الديون العمومية قد أشارت بأنه لا يمكن للمصفين القضائيين والموثقين والحراس وكذا مصفي الشركات المنحلة وغيرهم من المؤتمنين على الأموال، أن يسلموا الأموال التي يحوزونها للورثة أو الدائنين أو الأشخاص الآخرين الذين لهم الحق في الحصول على المبالغ المحروسة, أو المودعة إلا بعد إثبات أداء الضرائب والرسوم الواجبة على الأشخاص الذين يمتلكون تلك الأموال، وكذلك بالنسبة لكتاب الضبط والأعوان القضائيين والمحامين فيما يخص الأموال الناتجة عن عمليات التفويتات والحراسة القضائية المودعة لديهم يجب أن لا يسلموا الأموال إلى مستحقيها إلا بعد إثبات أداء الضرائب والرسوم الواجبة على الأشخاص الذين يمتلكون تلك الأموال إلا أنه يجب احترام كذلك مقتضيات المادة 107 من مدونة تحصيل الديون العمومية فيما يتعلق بالديون الممتازة، أما فيما يخص درجات التحصيل الجبري لقد حددتها المادة 39 من نفس المدونة وهي :
الإنذار
الحجز
البيع
إلا أنه يمكن اللجوء إلى الإكراه البدني لتحصيل الضرائب والرسوم والديون العمومية وفق المواد 76 إلى 83 من المدونة إلا أنه بالنسبة للضرائب لا يمكن اللجوء إلى الإكراه البدني إلا بعد استيفاء جميع الإجراءات لأن بالنسبة للغرامات تحيل مدونة تحصيل الديون العمومية على قانون المسطرة الجنائية.
1 ـ الإنذار : يعتبر أول إجراء من إجراءات التحصيل الجبري بحيث يطلب المحاسب من المدين أداء ديونه بحيث يتضمن أمر بأداء الدين العمومي، فالإنذار كان يخضع في إطار ظهير 1935 لترخيص إلا أنه في إطار هذه المدونة فالمحاسب المكلف بالتحصيل أصبح معفى من الترخيص بحيث ترسل إليه قائمة باسم المدينين من أجل المراقبة.
ولا يمكن تبليغ الإنذار إلا بعد 30 يوما ابتداء من تاريخ الاستحقاق و20 يوما على الأقل بعد ارسال آخر إشعار المنصوص عليه في المادة 36 من مدونة تحصيل الديون العمومية، ويتم تبليغ هذا الإنذار من طرف مأموري التبليغ والتنفيذ للخزينة أو أي شخص منتدب لذلك، كما يمكن أن يتم التبليغ بالطريقة الإدارية أو عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل. ومن أثار تبليغ الإنذار يسمح إجراء الحجز بعد مرور 30 يوما كما أن هذا الإنذار يقطع التقادم.
ـ الحجز : بعد 30 يوما من تبليغ الإنذار يتم اللجوء إلى الحجز الذي ينفذ عن طريق ترخيص صادر عن رئيس الإدارة التي ينتمي لها المحاسب المكلف بالتحصيل أو من الشخص المفوض من طرفه لذلك وذلك بموجب قائمة تبين المدين أو المدينين المشار إليهم في المادة 29 من مدونة تحصيل الديون العمومية. ويتم الحجز على جميع الأشياء القابلة للحجز إلا أن المادة 46 من نفس المدونة قد أشارت إلى الأشياء غير القابلة للحجز وينفذ الحجز عن طريق تحضير محضر الحجز الذي يتضمن وصف الأمتعة المحجوزة وتعيين تاريخ البيع وتعيين الحارس ويمنع على هذا الأخير تحت طائلة استبداله والحكم عليه بتعويض عن الضرر، استعمال الأثاث أو الأشياء الأخرى المحجوزة أو الاستفادة منها ما لم يأذن له طالب الحجز بذلك.
إلا أنه عند قيام بالحجز يمكن أن يتعذر على مأمور التبليغ والتنفيذ القيام بمأموريته لكون الأبواب مغلقة أو نظرا لرفض فتحها له، يرخص له بواسطة أمر صادر بناء على طلب وفق الشروط المنصوص عليها في الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية يفتح أبواب المحلات ذات الاستعمال المهني أو المعد للسكنى، وكذا الأثاث، في حدود ما تقتضيه مصلحة التنفيذ وفي هذا الصدد يجوزله أن يطلب مساعدة السلطة الإدارية المحلية.
إلا أنه إذا أراد المدين أن يسدد الديون التي بذمته يتم توقيف الحجز لكن الصائر يبقى وذلك حسب المادة 91 من المدونة.
3) البيع : إن الجديد الذي جاءت به المدونة هو أن البيع يمكن أن يتم من طرف المحاسب أو من طرف المحجوز عليه أي المدين.
أ ـ البيع من طرف المحاسب المكلف بالتحصيل : لا يمكن أن يقوم بهذا الإجراء إلا بعد حصوله على ترخيص من طرف رئيس الإدارة التي ينتمي إليها المحاسب المذكور وذلك حسب ما جاء في المادة 37 من المدونة، ويتم بيع هذه المحجوزات إما من طرف المحاسب المكلف بالتحصيل أو لحسابه من طرف مأمور التبليغ والتنفيذ للخزينة وإما من طرف مأموري كتابات الضبط أو الأعوان القضائيين، وذلك بطلب من المحاسب المذكور وبحضور السلطة الإدارية المحلية.
إلا أنه قبل إجراء عملية البيع يمكن بعد موافقة الملزم إجراء خبرة حسب ما تفرضه طبيعة الشيء المحجوز من أجل تقدير قيمته وذلك طبقا لقانون المسطرة المدنية.
ب ـ البيع من طرف المدين المحجوز عليه : يمكن لهذا الأخير القيام بعملية البيع وذلك بناء على ترخيص من رئيس الإدارة التابع لها المحاسب المكلف بالتحصيل وذلك خلال 30 يوما من تاريخ الترخيص له. وفي هذه الحالة يتم البيع بحضور مأمور التبليغ والتنفيذ للخزينة وذلك لحساب المحاسب المكلف بالتحصيل، إلا أنه في حالة ما إذا لم يتم البيع من طرف المدين في الأجل المحدد يتم إجراؤه وفق الشروط المنصوص عليها في المواد 62 إلى 64 من مدونة تحصيل الديون العمومية.
ثانيا مسطرة التحصيل الجبري الخاصة :
أ ـ حجز السفن وبيعها : يتم حجز السفن وبيعها وفق الشروط والأشكال المنصوص عليها في قانون التجارة البحرية المغربي، وفي هذا الصدد قد خصص المشرع لموضوع الحجز على السفينة الفصول من 110 إلى 123 من قانون التجارة البحرية المغربي وهو على نوعين الحجز التحفظي والحجز التنفيذي.
فالحجز التحفظي أو كما يسمى أيضا الحجز الاحتياطي أقره المشرع بغرض منع هروب هذه الضمانة وهي السفينة أي الشيء المحجوز من يد الدائنين أي أن هذا النوع من الحجز يتم على السفينة في انتظار الوفاء بالديون أو بيعها واستيفاء الديون من ثمنها إذا ادعت الضرورة لذلك، وقد عالج المشرع الحجز التحفظي في ظهير 31 مارس 1919 في فصل فريد وهو 110 من قانون التجارة البحرية مع خضوعه لقواعد المسطرة المدنية من المواد 452 إلى 458.
فمبدئيا كل السفن يمكن أن يقع عليها الحجز التحفظي سواء كانت هي مصدر الدين أو لم تكن كذلك، ذلك أن الحجز التحفظي يسببه المالك أو المستأجر للسفينة لذا يمكن إجراء الحجز عل كل سفينة وليس فقط على السفينة موضوع العملية التي تسببت في هذا الحجز هكذا يمكن أن يتحول الحجز التحفظي إلى حجز تنفيذي بعد حصول الدائن على حكم في الموضوع وحائز لقوة الشيء المقضي به.
أما الحجز التنفيذي : قد عالجه المشرع في الفصول من 111 إلى 123 من قانون التجارة البحرية كما يخضع كذلك للقواعد العامة لقانون المسطرة المدنية والمتعلق بالحجز التنفيذي من المواد 459 إلى887 .
إن هذا الحجز التنفيذي لا يمكن أن يتم إلا بعد 24 ساعة من توجيه الأمر بالأداء إلى المدين أي مالك السفينة أو يوجه لربان السفينة إن كان للدائن حق اعتبار بحري، وهذا الأمر بالأداء يوجه إلى رئيس المحكمة التجارية وذلك وفقا لقواعد التبليغات المعمول بها في قانون المسطرة المدنية، كما يتعين على عون التنفيذ عند وقوع الحجز على السفينة أن يحرر محضرا بذلك يبين فيه العديد من البيانات الواردة في الفصل 114 من قانون التجارة البحرية المغربي.
كما يتم تعيين حارسا للسفينة التي سيتم التنفيذ عليها والذي غالبا ما يكون هو المالك كما يتم نسخ محضر الحجز هذا بسجلات ميناء قيد السفينة أو ميناء بنائها إذا كانت في طور البناء وذلك خلال 8 أيام الفصل 116 من قانون التجارة البحرية المغربي.
ومن أثار هذا الحجز التنفيذي هو بيع السفينة المحجوزة بالمزاد العلني الذي يتم الإعلان عنه قبل 15 يوما من إجرائه بإحدى جرائد الإعلانات ويمكن وقوع البيع وهكذا وبعد مرور 15 يوما من الإعلان يتم البيع بحضور كاتب الضبط بعد أن تكون المهمة قد حددت الثمن الافتتاحي للبيع وشروطه.
2 ـ حجز العقارات وبيعها : في حالة ما إذا كانت المنقولات غير كافية أو منعدمة يمكن القيام بحجز العقارات وبيعها باستثناء العقار المخصص لسكنى المحجوز عليه وعائلته وذلك وفق الشروط المحددة في المادة 46 من مدونة تحصيل الديون العمومية.
ويتم حجز العقارات وبيعها من طرف أعوان التبليغات والتنفيذات القضائية وفق الشروط والأشكال المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية الفصول من 469 إلى 487.
3 ـ حجز الأصول التجارية وبيعها: لقد عرف المشرع المغربي الأصل التجاري في المادة 79 من مدونة التجارة الجديدة بأنه مال منقول معنوي يشمل جميع الأموال المنقولة المخصصة لنشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية، ويتم تنفيذ حجز الأصول التجارية وبيعها وفق الشروط والأشغال المنصوص عليها في القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.96.83 الصادر في 15 ربيع الأول 1417 الموافق لـ فاتح غشت 1996.
ثالثا) الإجراءات الاستثنائية للتحصيل الجبري: هناك خمسة محاور تتعلق بهذا الإجراء وهي :
1 ـ إجراءات التنفيذ على العربات السيارة.
2 ـ الإكراه البدني.
3 ـ حق الإطلاع .
4 ـ اشعار لغير الحائز.
5 ـ افتعال العسر
إجراءات التنفيذ على العربات السيارة : بالإضافة إلى الحجز والبيع المنصوص عليهما في المواد 44 إلى 64 من مدونة تحصيل الديون العمومية يمكن للمحاسب أن يختار هذه الآلية الجديدة وهي إجراءات التنفيذ على العربات السيارة وهي تشمل شيئين:
أ ـ تثبيت العربة في مكان وجودها
ب ـ التعرض على تفويت ملكيتها.
يمكن أن يثبت المحاسب العربة في مكان وجودها إلى حين تسوية المدين وضعيته تجاه الخزينة، فالسيارة تلعب دورا مهما في نمط العيش وخاصة في بعض الشركات حيث تحدث خللا وبلبلة في الحياة الاقتصادية لهذه الشركة.
ومن شروط التثبيت وجود الدين مستحق الأداء وأن يكون المدين قد أشعر بذلك فيما يخص العربات التي تخضع لهذا الإجراء، فإن جميع العربات تخضع لعملية التثبيت فتصنيف العربات فهي من اختصاص الجهاز التنظيمي.
ويقوم بعملية التثبيت كل من المحاسب وأعوان التنفيذ وهناك التفكير في شركات مختصة وذلك من أجل القيام بعملية تثبيت السيارة.
ويجب على مأمور التبليغ والتنفيذ للخزينة الذي أجرى عملية التثبيت محضرا بذلك ويبلغ للمدين في ظرف ثمانية أيام إنذارا للأداء بمثابة حجز، وإذا كانت العربة توجد على الطريق العام ولم يسدد المدين ما بذمته فإن المحاسب يجب عليه أن يرفع السيارة المثبتة لمكان آخر ويضع عليه حارسا.
ومن أثار هذا التثبيت هو حرمان المدين من استعمال السيارة إلى أن يسدد ما بذمته وإذا لم يفعل ذلك فإن المحاسب يقوم ببيع العربة المحجوزة طبقا للأحكام المواد 58 إلى64 من نفس المدونة .
إلا أنه يمكن التعرض على تفويت على ملكية العربة مباشرة بعد إرسال إشعار بدون صائر ويتم التعرض في شكل تصريح يتضمن هوية المدين وتوجيه الديون الواجبة ومبلغها وكذا المواصفات و البيانات التي تمكن من التعرض على العربة ولا يمكن نقل ملكية عربة، إلا بعد إثبات أداء الديون محل التعرض ما عدا إذا تم ذلك عن طريق القضاء.
2 ـ الإكراه البدني: إذا لم تؤد طرق التنفيذ على أموال المدين إلى نتيجة يمكن أن يتابع التحصيل الجبري للضرائب والرسوم والديون العمومية الأخرى بواسطة الإكراه البدني التي خصص لها المشرع مواد من 76 إلى 83 من مدونة تحصيل الديون العمومية,
أما في ما يخص الغرامات ما زالت خاضعة لقانون المسطرة الجنائية.
إلا أن اللجوء إلى هذا الإجراء يصطدم مع وجود اتفاقية دولية وقعها المغرب وهي عدم اللجوء إلى الإكراه البدني في المسائل المتعلقة بالنظام التعاقدي لكن بالنسبة للضرائب والرسوم و الديون العمومية فإنها لا تخضع إلى هذا النظام.
ويتم اللجوء إلى الإكراه البدني بناء على طلب يعين المدين اسميا، ويوجه هذا الطلب إلى المحكمة الابتدائية من طرف المحاسب المكلف بالتحصيل أو الشخص الذي يفوضه لذلك مع مراعاة أحكام المادة 141 من المدونة. يبث قاضي المستعجلات في الطلب المعروض عليه داخل أجل لا يتجاوز 30 يوما, ويتم تطبيق الإكراه البدني فورا ويعمل على تنفيذه بمجرد توصل وكيل الملك لدى المحكمة المختصة بالقرار المحدد لمدة الحبس.
3ـ حق الاطلاع: يمكن للمحاسب المطالبة بمعرفة الوضعية المادية للمدين، أما الأشخاص الذين يخضعون لهذا الحق فهم على الشكل التالي:
الصنف الأول : المدين : يمكن مطالبته بأمواله وعقاراته وكذا جميع المعلومات التي تقيد المحاسب.
الصنف الثاني : القطاع العام: يقوم كتاب الضبط بتقديم طلب إلى جميع الإدارات العمومية التي تتوفر على الوضعية المالية للملزمين بالدين.
الصنف الثالث : الأشخاص الطبيعيون والمعنويون الذين يسمح لهم بالتدخل في المعاملات وتقديم الخدمات ذات الصبغة المالية والقانونية أو المحاسبية.
ويتعين على الهيئات والأشخاص المشار إليهم أعلاه أن يقدموا المعلومات المطلوبة كيفما كان سندها داخل أجل 15 يوما وذلك بطلب من المحاسب المكلف بالتحصيل ابتداء من تاريخ الطلب الموجه إليهم.
وفي حالة عدم الإدلاء بالمعلومات المطلوبة في الأجل المحدد، يعرض لأداء غرامة تهديدية قدرها 500 درهم عن كل يوم تأخير في حدود 50000 درهم.
تستخلص الغرامة التهديدية بواسطة أمر بالمداخيل يصدره الوزير المكلف بالمالية، مع مراعاة الأحكام القانونية التي تنص على حفظ السر المهني يعتبر رفض الإدلاء بالمعلومات المطلوبة أو الإدلاء ببيانات خاطئة عرقلة للتحصيل بمفهوم المادة 84 من هذا القانون ويعرض المخالف للجزءات المنصوص عليها في المادة 87 من مدونة تحصيل الديون العمومية، إلا أن هذه الجزاءات غير قابلة للتطبيق على الإدارات العمومية والجماعات المحلية وهيئاتها.
4 ـ إشعار لغير الحائز : يعد من أهم إجراءات التحصيل في إطار مسطرة تحصيل الديون العمومية ويترتب على هذا الإشعار التسليم الفوري للمبالغ الموجودة في حوزة الأغيار وفي حدود مبلغ الضرائب والرسوم والديون الأخرى المطلوبة أداؤها، يمتد مفعول هذا التسليم إلى الديون بأجل أو الديون المشروطة التي للمدين على الأغيار الحائزين المتابعين.
5 ـ افتعال العسر : هو إجراء جديد تنصب على فئة الملزمين الذين توصلوا بإعلام ضريبي قاموا بأعمال ترتب عنها تبديد الأموال وذلك من أجل الإفلات من التزاماتهم ويعاقب مرتكب هذه الأفعال بغرامة قدرها 5000 درهم إلى 100000وبعقوبة حبسية موقوفة التنفيذ من سنة إلى سنتين أو بإحدى هاتين العقوبتين في حالة العود تضاعف الغرامة ومدة الحبس وتكون العقوبة الحبسية نافذة، ويقدم طلب المتابعات القضائية في شأن افتعال العسر إلى وكيل الملك لدى المحكمة المختصة من طرف المحاسب بعد ترخيص من رئيس الإدارة التابع لها المحاسب.
ثالثا ـ الضمانات والامتيازات : لتحصيل الضرائب والرسوم، تتمتع الخزينة ابتداء من تاريخ الشروع في تحصيل الجدول أو قائمة الإيرادات، بامتياز على الأمتعة وغيرها من المنقولات التي يملكها المدين اينما وجدت، وكذا على المعدات والسلع الموجودة في المؤسسة المفروضة عليها الضريبة والمخصصة لاستغلالها.
وهذا الامتياز حق خوله القانون للدائن بدين معين، يمكنه بمقتضاه أن، يستوفي ذلك الدين من جميع منقولات المدين أو من مال معين له، مع تمتيع هذا الدائن بحق الأفضلية على بقية الدائنين ولو كانوا يتمتعون برهن رسمي، ويعتبر الامتياز حقا عينيا سواء وقع على عقار أو على منقول وأنه حق مصدره القانون وأن هذا الحق يقرره القانون ضمانا لدين معين نظرا لما يتصف به من خاصية معينة تجعله أهلا للحماية وأخيرا فإن الامتياز يخول صاحبه حق التتبع والأفضلية في استيفاء حقه قبل غيره من الدائنين.
إلا أن الامتيازات المنصوص عليها في المواد 105 و106 من مدونة تحصيل الديون العمومية قبل جميع الامتيازات العامة أو الخاصة الأخرى باستثناء:
الامتيازات الأربعة المنصوص عليها في المادة 1248 من قانون الالتزامات والعقود.
الامتياز المخول للمأجورين بمقتضى الفقرة الرابعة من المادة 1248 من قانون الالتزامات والعقود.
الامتياز الناجم عن المادة 490 من قانون المسطرة المدنية لفائدة عمال وموردي الأشغال العمومية.
الامتياز المخول كامل سند التخزين طبقا للمادة 349 من مدونة التجارة الجديدة.
امتياز الدائن المرتهن تطبيقا للمادة 365 من مدونة التجارة الجديدة.
وتمتد الضمانات والامتيازات المخولة للخزينة والجماعات المحلية وهيئاتها إلى صوائر التحصل المدفوعة وزيادات التأخير والذعائر والغرامات.
وكما تتمتع الخزينة من أجل تحصيل الضرائب والرسوم وديون المحاسبين العموميين الناتجة عن قرارات العجز، برهن رسمي على جميع الأملاك العقارية للمدينين الذين يدينون بمبلغ يساوي أو يفوق 20000 درهم.
والرهن الرسمي هو عقد يخصص بمقتضاه مال له سجل خاص لضمان دين وقد عرفه المشرع في الفصل157 من ظهير 19 رجب بأن الرهن الرسمي حق عيني عقاري على العقارات المخصصة لأداء التزام وهو بطبيعته لا يتجزأ ويبقى بأكمله على العقارات المخصصة له وعلى كل واحد وعلى كل جزء منها ويتبعها في أي يد انتقلت إليها.
ويرتب الرهن الرسمي للخزينة حسب تاريخ تقييده بمحافظة الأملاك العقارية.
ويمكن للمحاسب المكلف بالتحصيل بناء على الإعلام بالتصحيح المشار إليه في المادة 29 من مدونة تحصيل الديون العمومية أن يطلب التقييد الاحتياطي وفق الشروط المحددة في المادة 85 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن تحفيظ العقارات.
وخلاصة القول هناك بعض القوانين تبقى في سارية المفعول رغم دخول مدونة تحصيل الديون العمومية حيز التطبيق وهي قانون المسطرة المدنية فيما يتعلق بحجز وبيع العقار، مدونة التجارة الجديدة فيما يتعلق ببيع وحجز الأصول التجارية، القانون البحري فيما يتعلق بحجز وبيع السفن، مرسوم 21 أبريل 1967 المنظم للمحاسبة العمومية، الظهير المتعلق بالتحفيظ العقاري، القانون المتعلق بمسؤولية المحاسبين الصادر بتاريخ 2 أبريل 1955.
إلا أن هناك بعض مشاريع قوانين معروضة الآن على الأمانة العامة للحكومة من بينها تطبيق مسطرة الإكراه البدني المنصوص عليها في مدونة تحصيل الديون العمومية فيما يخص استخلاص الغرامات عوض تطبيق قانون المسطرة الجنائية، ثم هناك كذلك مشروع يتعلق بقانون مسؤولية المحاسبين.
ومن خلال دراستنا لمدونة تحصيل الديون العمومية استشفنا بأن هذا القانون أغلبه يتعلق بالديون الخاصة بالضرائب والرسوم المتعلقة بالخزينة العامة أما الغرامات والإدانات النقدية الخاصة بالمحاكم فلم يتطرق إليها المشرع في المدونة بإسهاب.