التعامل مع الشخص المتملق في الاسلام :
معني الملق : يعرفه الامام علي بقوله : " الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق والتقصير عن الاستحقاق عيّ أو حسد " أي أنه رضي الله عنه يحث علي الاعتدال في الثناء بعدم المبالغة وفي الوقت نفسه لا نغمط الناس حقها حين يحسنون في أمر ما
1- لين الجانب المبالغ فيه : وحيث أن التملق هو التضرع فوق ماينبغي وولقد نهي الفارابي عن ذلك بقوله : " قيل ينبغي للمرء أن يبلغ في محاسبة النفس الي حد يظن به معه أنه شرير ولا يبلغ من لين الجانب الي حد يظن به معه أنه ملاق " كما أن الشخص المتملق كما أشار الي ذلك أحد المتخصصين الغربيين يميل الي تقليد رئيسه في كل شئ فالموظف المداهن يقلد مشية رئيسه وحركاته ويعمل علي استخدام كلمات وعبارات مشابهة لتلك التي يستخدمها رئيسه
2- يقوم بدور التابع بوعي أو بدون وعي للحصول علي مكانة أعلي
علاج التملق :
1- يبدأ بالاعتراف بكونك متملقا أو تابعا ورغبتك في الارتقاء بذاتك بعيدا عن التملق وتوجيه السؤال لنفسك " هل يستحق تحقيق النجاح أن أفقد شخصيتي ؟ انني لا أحب المتملقين ولا أريد أن أصبح واحدا منهم ولكن اذا اضطررت للتظاهر بذلك انقاذا لنفسي فانني لن أتردد في ذلك أي أن استراتيجية التملق لاينبغي أن تكون علي طول الخط بل هي في الضرورات القصوي التي تتعرض فيها حياة الانسان العملية للخطر (العمل مع ذوي الطباع الصعبة : د . وليام لندين وكاثلين لندين )
2- معرفة أن التملق ممدوح في حالات محدودة مثل طلب العلم (كما أشار الي ذلك الغزالي في كتابه منهاج المتعلم ) وفي تقوية العزيمة وجمع الهمة وفي معاشرة الاخوان الصالحين علي الطلاقة والاحتمال والظرف والاكرام ولقد أشار الي ذلك أبو الحسن العامري في مواعظه (ينظر الي كتابي الذكاء الاجتماعي ص 424)
3- تعلم كيف يكون المدح أو الثناء ؟
روي أن رجلا مدح رجلا عند النبي صلي الله عليه وسلم فقال النبي (ص) : ويحك قطعت عنق صاحبك ثم قال : ان كان لابد أحدكم مادحا أخاه لا محالة فليقل أحسب فلانا ولا أزكي علي الله أحدا حسيبه الله ان كان يري أنه كذلك " أخرجه البخاري ومسلم ...
4- معرفتك أن السعادة ليست في الجاه
وذلك بأن يدرك الشخص المتملق الأخطار والمصائب التي تحدث لأصحاب الجاه من تطرق الحسد اليهم وقصدهم بالايذاء فتراهم خائفين علي الدوام من زوال جاههم محترزين من تغير منزلتهم في القلوب فهذه هموم عاجلة مكدرة لحفظ الجاه كما أن الانسان مهما علا فآخره الموت وتكالبه علي الجاه يفوت حظه في الآخرة هذا علاج من حيث العلم أما علاج حب الجاه من حيث العمل فهو اسقاط الجاه من قلوب الخلق بأفعال توجب ذلك فاذا كان منقطعا عنهم مثلا فليخالطهم علي وجه السلامة وليمش في الأسواق وليشتري حاجته ويحملها...." ( مختصر منهاج القاصدين : بن قدامة المقدسي ص212 )
5- معرفة أن عدم المبالغة في الود أسلم للمحافظة علي من ترغب وتحب
وهذا قد أشار اليه ابن المقفع بقوله : " اذا أقبل اليك مقبل بوده فسرك ألا يدبر عنك فلا تنعم الاقبال عليه (تبالغ فيه ) والتفتح له فان الانسان طبع علي ضرائب (طبائع ) لؤم فمن شأنه أن يرحل عمن لصق به ويلصق بمن رحل عنه الا من حافظ بالأدب نفسه وكابر طبعه فتحفظ من هذا فيك وفي غيرك " ( الأدب الصغير والأدب الكبير : لابن المقفع )
كيف يمكن التعامل مع المتملق ؟
1- الاقتداء بموقف الصحابة والسلف من كراهيتهم للمدح
والمواقف كثيرة في هذا الشأن ومنها أن الربيع بن خثيم أوصي هلال بن أساف وهو من ثقات التابعين ومقدميهم قائلا : " لا يغرنك يا هلال كثرة ثناء الناس عليك فان الناس لايعلمون منك الا ظاهرك ...واعلم أنك صائر الي عملك وأن كل عمل لايبتغي به وجه الله يضمحل "
وأثني رجل علي عليّ في وجهه وقد كان بلغه أنه يقع فيه فقال له عليّ رضي الله عنه : أنا دون ماقلت وفوق مافي نفسك " كما كان السلف رضوان الله عليهم يتورعون عن مدح أنفسهم حتي لو كان الرجل منهم يستحق ذلك (صور من حياة التابعين : د . عبد الرحمن رأفت الباشا )
2- النهي عن صحبة الانسان المتملق وهذا قد أكد عليه الامام عليّ بقوله :
واذا الصديق رأيته متملقا فهو العدو يحق أن يتجنب
لا خير في ود امرئ متملق حلو اللسان وقلبه يتلهب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب
والذي يحتاج الي المتملقين هم الأشخاص ذوي المراكز العالية كالرؤساء السيئين وكما يقول أحد المتخصصين الغربيين : " ان القادة غير الآمنينيحتاجون لهؤلاء المتملقين أما القادة العظماء فانهم يحتقرونهم "
3- النهي عن التأثر بكلام المتملقين حتي لا يستغلوك
فموقفك مثلا من الموظف المتملق أو المرؤوس يتوقف علي كفاءته وليس مايمطره من ثناء فمثلا وكما يقول أحد المتخصصين الغربيين : " فاذا كان مرؤسك المتملق يلاحقك بعبارات المديح والاطراء فلا بأس بذلك سواء أكان صادقا ونابعا من القلب أم لا ما دام أنه لايؤثر علي حكمك وتقييمك للأداء وان بدت هناك حاجة الي ايقاف هذا النزيف فلا تتردد وافعل هذا بأدب وحزم " كما ينبغي اظهار كراهتك للمدح وتحترز عن آفة الكبر والعجب كما أشار لذلك الغزالي
4- التقرب من الأشخاص الصالحين
ينبغي لاسيما أصحاب المراكز المرموقة والشخصيات القيادية اذا أحبت أن تتنزه عن العيوب والأخطاء تقريب الشخصيات ذوي الكفاءة والصلاح والخيرية ودعوتها الي ابراز أخطائك وأن تتلقي من يهدي اليك شيئا من عيوبك بالبشر والقبول وأن تأخذ نفسك بالتنزه من العيوب وتقهرها علي التخلص من دنسها واجتهد فيما تحسن به سياسة نفسك حتي يبقي لك الذكر الجميل آجلا وحسن الثناء مؤبدا ( كتاب الأخلاق لابن عربي )