تسوية الوضعية الفردية
يعتبر القضاء الإداري أحد أهم ركائز دولة القانون، بحيث يضطلع بمهمة إجبار الإدارة على احترام القانون، والمغرب يسعى إلى المحافظة على حقوق المواطنين وجعل الكلمة للقانون، عمل على إحداث محاكم إدارية من أجل مراقبة أعمال الإدارة، ومتعها في سبيل ذلك بمجموعة من الاختصاصات، من أهم هذه الاختصاصات نجد اختصاصها بالبت في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية.
ويقصد بمصطلح الموظف العمومي، حسب ما جاء في الفصل الثاني من النظام الأساسي للوظيفة العمومية:" كل شخص يعين في وظيفة قارة ويرسم في إحدى رتب السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة".
وبالتالي فإن مصطلح موظف، يشمل كل موظف يطبق عليه النظام الأساسي للوظيفة العمومية أو يخضع للأنظمة الخاصة، كرجال التعليم وأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي ومفتشي وزارة المالية، القضاء....
أما مصطلح العامل في مرافق الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية، فهو يضم جميع المؤقتين، والمتعاقدين الذين أبرموا عقودا إدارية وبالنسبة للمتعاقدين مع الإدارة في ظل القانون الخاص، يمكنهم ممارسة دعوى الإلغاء في بعض الأحيان، إذا كان الأمر يتعلق بالطعن في قرارات منفصلة عن العقد، وفي غير هذه الأحوال تدخل منازعاتهم في اختصاص المحاكم الابتدائية.
وينبغي أن يكون الموظف أو العامل، يشتغل في مرافق الدولة أو الجماعات المحلية، أو المؤسسات العامة، حتى ينعقد الاختصاص للمحكمة الإدارية.
وبالنسبة للمقصود بالوضعية الفردية، فقد حددته الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في قضية عبد الحق كارم ضد وزارة المالية، من خلال الحيثية التالية:" إن مصطلح الوضعية الفردية جاء على إطلاقه دون تقييد أو حصر وأنه يشمل جميع الحالات والأوضاع التي تعتري الموظف وهو يعمل في خدمة الإدارة أو المرفق أو الجماعة المحلية أو المؤسسة العمومية، سواء فيما يتعلق بتسميته في وظيفة معينة أو ترقيته أو تأديبه أو حصوله على أجوره ومستحقاته إلى غير ذلك من الدعاوى التي يمكن أن يقيمها ضد الجماعة الإدارية من أجل تسوية هاته الوضعية مما ينعكس إيجابا أو سلبا على وضعيته المادية حسب الأحوال".
غير أن هذه الحيثية، لم تضع في الحقيقة تعريفا للوضعية الفردية، بل قامت فقط بتعداد حالات الوضعية الفردية، في حين أن الوضعية الفردية تتمثل في كل ما يتعلق بحياته الإدارية، وحقوقه المالية الناتجة عن ذلك، وبالتالي فإن توجه الموظف إلى القضاء الإداري يكون إما بهدف المطالبة بتسوية الوضعية الإدارية، وإما للمطالبة بتسوية الوضعية المالية.
لقد كان النظر في المنازعات المرتبطة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، موزعا بين الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، التي تتولى البت في طلبات الإلغاء، والمحاكم الابتدائية التي لها ولاية القضاء الشامل، قبل أن يتم توحيد الجهة المختصة بنظر هذا النزاع من خلال إحداث المحاكم الإدارية.
وذلك من خلال المادتين 8و11 من القانون رقم 41-90 المشار إليه أعلاه، بحيث تنص الفقرة الثانية من المادة 8 على ما يلي:"... تختص المحاكم الإدارية كذلك بالنظر في... النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة، والجماعات المحلية والمؤسسات العامة".
في حين تنص المادة 11 على أنه:" تختص محكمة الرباط الإدارية بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف، أو مرسوم...".
والملاحظة هاتين المادتين، تبرز لنا أن صياغتهما جاءت عامة، بحيث أن المشرع المغربي لم يحدد نوع النزاع الذي تختص به المحاكم الإدارية، مما يجعل ولاية هذه المحاكم تبدوا عامة، بحيث قد تشمل دعوى الإلغاء وقد تشمل دعوى التعويض، كما أن عدم تحديد الفئات المعنية بالمنازعات المتعلقة بالوضعية الفردية بدقة، طرح بدوره إشكالية عميقة على مستوى الاختصاص.
هذه الإشكاليات تضعنا أمام التساؤل التالي: ما موقف القضاء الإداري المغربي من النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية؟
ولتحديد هذا الموقف، سنقسم الموضوع إلى مبحثين، نتناول في الأول، إشكالية توزيع الاختصاص في قضايا الوضعية الفردية.
في حين نخصص المبحث الثاني، لإبراز الضمانات التي وفرها القضاء الإداري المغربي للموظفين، على اعتبار أن مفهوم هذه الدراسة لا يقتصر فقط على تحديد الاختصاص بهذه المنازعات، بل يشمل أيضا معرفة الدور الذي لعبه القضاء في حماية الموظف في مواجهة الإدارة.
سنرى في هذا المبحث، طبيعة ولاية القضاء الإداري في قضايا الوضعية الفردية ( المطلب الأول)، كما سنحدد فيه الفئات المعنية بالمنازعات المتعلقة بالوضعية الفردية( المطلب الثاني).
من المعلوم أن ولاية القضاء الإداري، تتوزع بين قضاء الإلغاء والقضاء الشامل، وتعرف دعوى الإلغاء بأنها:" دعوى قضائية ترفع للمطالبة بإعدام قرار إداري صدر مخالفا للقانون وتعد هذه الدعوى أهم وسائل حماية المشروعية، إذ أنها تؤدي إلى بطلان القرار الإداري كجزاء لعدم مشروعيته ومخالفته للقانون"، أما دعوى القضاء الشامل، فهي خصومة قائمة بين طرفين، يدعي أحدهما أنه وقع المساس بأحد مراكزه الذاتية أو الشخصية، ويملك فيها القاضي سلطات واسعة من أجل إرجاع الحق لصاحبه وتقرير التزامات على الطرف الأخر.
والسؤال الذي يجدر بنا طرحه، هو: هل المنازعات المتعلقة بالوضعية الفردية تدخل في إطار القضاء الشامل، أم في إطار قضاء الإلغاء، أم أن الموظف يملك حق الاختيار بينهما؟
هذا ما سنحاول الإجابة عليه من خلال هذا المطلب، بحيث سنقوم بإبراز موقف القضاء المغربي من الموضوع، ثم موقف الفقه من هذه المسألة، لنبرز في الأخير موقفنا من هذه المسألة.
بالنسبة لموقف القضاء المغربي: نشير إلى أن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، كانت قبل إنشاء المحاكم الإدارية تنظر في المنازعة المتعلقة بالوضعية الفردية بمناسبة دعاوى الإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة، الموجهة ضد القرارات الإدارية التي ترفض تسوية هذه الوضعية.
وقد استمر هذا الوضع حتى بعد إحداث المحاكم الإدارية، بحيث بقي لدعوى الإلغاء نفس الدور الذي كانت تضطلع به قبل إحداث هذه المحاكم في مواضيع تعتبر من صميم الوضعية الفردية للموظفين، دونما تمييز منها للمجال الذي تندرج ضمنه المنازعة وما إذا كان قضاء الإلغاء أم القضاء الشامل، ففي قضية ابن إدريس ضد وزير البريد اعتبرت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى:" أن الموظف الذي يكون في وضعية الإلحاق يظل تابعا لإطاره الأصلي...وعلى الإدارة أن تستجيب لطلب تسوية وضعيته الإدارية، وأن رفضها لهاته التسوية يكتسي شططا في استعمال السلطة".
وفي قضية بن خريفة عبد العزيز ضد وزير الاقتصاد والمالية اعتبرت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى:" أن القرار المطعون فيه القاضي برفض تسوية الوضعية الإدارية للطاعن الناتج عن السكوت عن الطلب الذي قدمه إلى وزير المالية مع وجوب إجراء مراجعة لهاته الوضعية لم يكن مشوبا بأي شطط في استعمال السلطة، وأن الإدارة لم تنحرف في استعمال سلطتها التقديرية بالاختيار في خصوص معالجة وضعية المعني بالأمر".
وقد اتبعت المحاكم الإدارية هذا الموقف أيضا، وذلك من خلال قيامها بالنظر في نزاعات الوضعية الفردية بمناسبة دعاوى الإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة باعتبارها الوسيلة القضائية الأقل كلفة والأكثر ممارسة عند المتقاضين.
ويظهر لنا أنه لم يكن هناك أي تمييز بين دعوى الإلغاء أو دعوى المطالبة بتسوية الوضعية الفردية، كما أن القضاء كان يعطي للأفراد حق الاختيار للمتقاضي بين تقديم دعواه أمام قضاء الإلغاء أو أمام القضاء الشامل، كما في قرار الغرفة الإدارية في قضية عبد الحق كارم ضد وزارة المالية، الذي أكدت فيه الغرفة إمكانية الخيار بين سلوك دعوى الإلغاء أو القضاء الشامل.
لكن هذا الموقف لم يستمر طويلا، حيث عدلت الغرفة الإدارية عن إمكانية الخيار بين القضاء الشامل وقضاء الإلغاء، وذلك من خلال قضية بوبكر ابراهيم ضد بلدية أكادير:" إن هذا الخيار المقرر للحصول على تسوية الوضعية الفردية تجاوز أجل الطعن المحدد للممارسة دعوى الإلغاء والانتقال لممارسة دعوى القضاء الشامل والحال أن الدعوى الأولى مقيدة بآجال محددة ومن النظام العام وأنه لا يمكن للطاعن تجاهل وجوب احترام هاته الآجال إذا كان قصده هو التوصل إلى إلغاء المقرر المطعون فيه الذي أثر في وضعيته الفردية وتقرر بمقتضاه ترسيمه ابتداء من 01/08/1992 في السلم7".
وقد اعتبر بعض المهتمين أن هذا التوجه الجديد للغرفة الابتدائية يدل على أن التفرقة بين دعوى الإلغاء والمنازعات المتعلقة بالوضعية الفردية المنتمية لولاية القضاء الشامل، لازالت مثار نقاش، واقترح لحل هذا الإشكال، ووضع حد فاصل بين دعوى الإلغاء والدعوى المتعلقة بالوضعية الفردية، اعتماد المعيار التالي:" القائم على وجوب الرجوع إلى مصدر الحق الذي يطالب به المدعي للتمييز بين دعوى الإلغاء والقضاء الشامل في مجال الوضعية الفردية، ومعرفة ما إذا كانت الحقوق المطلوبة تجد سندها في القانون مباشرة، ففي هاته الحالة، تعد المنازعة من دعاوى القضاء الشامل، وبالتبعية ما أصدرته جهة الإدارة من أوامر وقرارات مجرد أعمال تنفيذية توخت من خلالها تطبيق أحكام القانون على الوضعية الفردية المعنية، بدون أن يكتسي صبغة القرار الإداري أو تقبل لذلك الطعن فيه بالإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة، وبمفهوم المخالفة لهذا المبدأ إذا لم تنشأ وضعية المعني بالأمر من القاعدة القانونية مباشرة بل استدعى الأمر من الإدارة إصدارها لقرار إداري بشأن هاته الوضعية، فإن الدعاوى تكون حينئذ من دعاوى الإلغاء للتجاوز في استعمال السلطة".
والملاحظ أن هذا المعيار المقترح، هو نفس المعيار المعمول به من قبل القضاء المصري، ذلك أنت هذا القضاء يفرق بين الدعاوى التي تدخل في إطار القضاء الكامل والتي تدخل في إطار قضاء الإلغاء، بالاعتماد على تحديد مصدر الحق الشخصي الذي يطالب به المدعي في دعواه، فإن كان يطالب بحق شخصي مقرر له مباشرة في قاعدة تنظيمية عامة، كالقانون واللائحة، فإن الدعوى تكون من اختصاص القضاء الشامل، ويكون ما أصدرته الإدارة من أوامر أو تصرفات في هذه المناسبة مجرد أعمال تنفيذية تهدف إلى مجرد تطبيق القانون على حالة الموظف، وتوصيل ما نص عليه القانون إليه، ولا يكون هذا التصرف الإجرائي قرارا إداريا بالمعنى المفهوم، بل يكون مجرد إجراء تنفيذي أو عمل مادي لا يسمو إلى مرتبة القرار الإداري، وبالتالي لا تكون الدعوى المقامة في هذا الشأن من دعاوى الإلغاء، وعلى عكس ذلك إذا لم يكن مركز الموظف قد نشأ عن القاعدة التنظيمية ذاتها، ب استلزم الأمر صدور قرار إداري خاص يخوله هذا المركز القانوني، فإن الدعوى تكون من دعاوى الإلغاء.
وقد لاحظ صاحب هذا الاقتراح، أن هذا المعيار تم اعتماده من قبل القضاء الإداري المغربي، واستدل في ذلك بقضية بلغازي محمد ضد المدير العام للأمن الوطني، الذي اعتبرت فيه المحكمة الإدارية بالرباط، أن خصوصية دعوى القضاء الشامل تتمثل في تأسيس الطعن بمناسبتها على حقوق شخصية تتصل بمركز المدعي المتولدة من القانون مباشرة، ويتدخل القاضي بمناسبته ليحدد في حكمه نطاق ومدى الحقوق والالتزامات التي ترتبط بالنزاع في مواجهة طرفي الخصومة.
كما استشهد بقضية السيد هيت ابراهيم ضد بلدية اكادير:" إن مطالبة المدعي المقترنة بأداء الرسوم القضائية والرامية على إلغاء قرار إيقافه عن العمل مع إرجاعه إلى عمله واستحقاقه لمرتبه طيلة مدة التوقيف، تتعلق بتسوية وضعية إدارية لموظف وهي منازعة لا تتقيد بآجال دعوى الإلغاء بل بآجال التقادم العادي، لتعلق الأمر بدعوى تسوية الوضعية الفردية، وأنه تطبيقا لمقتضيات الفصل 73 من القانون المؤرخ في 24/02/1958،وبعد صيرورة الحكم الجنحي الذي أخذ الطاعن بعقوبة مالية نهائي، كان على رئيس المجلس البلدي العمل على تسوية وضعية الطاعن باستدعائه للمجلس التأديبي في أقرب أجل ممكن ابتداء من تاريخ توصله بالقرار لاستئنافي، وأن امتناعه عن القيام بذلك يعد قرارا سلبيا مخالفا للقانون وقضت كذلك بإلغائه مع إرجاع الطاعن إلى عمله وأحقيته في استرجاعه لمرتبه كاملا عن مدة التوقيف، كأحد تجليات سلطة القاضي الإداري في دعاوى القضاء الشامل المندرجة ضمنها المنازعة المتعلقة بالوضعية الفردية".
وبالرغم من هذا، فإن هذا المعيار هو منتقد، والسبب في ذلك هو أن الوضعية القانونية للموظف، يكون مصدرها هو القانون دائما، كما أن القول بأن العمل القضائي الإداري المغربي، يعتمد هذا المعيار ولا يقيد دعاوى تسوية الوضعية الفردية بآجل معين، يصطدم بأحكام أخرى حديثة، تشترط لقبول النظر في نزاع يتعلق بالوضعية الفردية ولو قدم أمام القضاء الشامل، ضرورة احترامه للآجل الطعن.
من ذلك، الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط، في قضية مصطفى محروس ضد وزير الداخلية، الذي جاء فيه: " حيث إنه حقا، وكما جاء في جواب السيد الوكيل القضائي للمملكة، فإن الحق في إقامة الدعوى الحالية قد سقط بانصرام آجل ستين يوما على تاريخ توصل الطاعن أو علمه بقرار عزله، وذلك طبقا لمقتضيات المادة 23 من قانون رقم41-90، مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الطلب".
وقد تم تأكيد نفس الموقف من خلال قضية علي بنطلحة، ضد وزير المالية الذي جاء فيه:" حيث إنه ولئن كان في الإمكان تقديم طلب تسوية وضعية فردية في إطار الإلغاء أو في إطار القضاء الشامل، إلا أنه عند تقديم الطلب في الحالة الثانية، يجب التقييد باحترام آجال الطعن بالإلغاء المنصوص عليها في المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية".
ونفس الشيء تم التأكيد عليه في قضية عبد الحميد الرحماني ضد وزير التربية الوطنية، الذي جاء فيه:" لكن، حيث إنه ولئن كانت القاعدة العامة أن النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية لا تخضع لأي أجل، فإن الاجتهاد القضائي قد تواتر على إخضاعها لأجل تقديم دعوى الإلغاء".
لكن إذا كان النزاع مرتبط بقرار من القرارات المستمرة، فإن تقيم الدعوى أمام القضاء الشامل، لا يتم تقييده بآجل الطعن، على اعتبار أن القرارات المستمرة لا يحتسب فيها آجل الطعن".
وتقييد دعاوى الوضعية الفردية، بضرورة احترام آجال الطعن عند تقديم دعوى أمام القضاء الشامل، له ما يبرره، ذلك أنه عندما يصدر قرار إداري ويتحصن بمرور آجال الطعن فيه، فإن ذلك ينتج عنه خلق مراكز قانونية لا يمكن المساس بها.
وبالتالي فإن السماح بتقديم دعوى أمام القضاء الشامل بهدف تسوية الوضعية الفردية، سيمس بالمراكز القانونية التي تم خلقها بناء على القرار الذي مس بالوضعية الفردية للمدعي، وهذا سيؤدي بالضرورة إلى ارتباك في عمل الإدارة، وبالتالي الإضرار بالصالح العام.
وكخلاصة لما سبق، ومن خلال الاجتهاد القضائي الإداري المغربي، فإنه يمكن تقديم طلب تسوية الوضعية الفردية في إطار قضاء الإلغاء أو في إطار القضاء الشامل، إلا أنه لا يمكن تقديمه في إطار هذه الأخيرة بدلا من الأولى إذا كان آجل الطعن قد فات.
وبالتالي فإن المنازعة المتعلقة بالوضعية الفردية تدخل في إطار:
- ولاية الإلغاء: عندما يكون القرار الإداري المتعلق بالوضعية الفردية متسما بعيوب عدم المشروعية، المتمثلة في عيب الشكل، وعيب عدم الاختصاص، وعيب مخالفة القانون، وعيب الانحراف في استعمال السلطة، وعيب السبب، يجوز المطالبة بإلغائه في كل الأحوال.
- ولاية القضاء الشامل: وهنا تكون للمحكمة الإدارية صلاحيات واسعة لا تنحصر في الإلغاء، بل تتعداه إلى فرض الحل الصحيح على الإدارة والحكم به، فهي تتخذ جميع التدابير اللازمة لحل القضية المعروضة على أنظارها، خاصة عندما يتعلق الأمر بدعوى استحقاق، أو تسوية في المرتبات أو التعويضات المستحقة، مع مراعاة آجل الطعن طبعا.
وهناك مسألة أخرى لابد من التعرض لها في هذا المطلب، وهي مسألة إمكانية الجمع بين دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل، فكما هو معلوم تعتبر إشكالية إمكانية الجمع بين الدعويين من أبرز القضايا التي أصبحت تشغل المهتمين بالقضاء الإداري، خصوصا بعد صدور حكم عن المحكمة الإدارية بالرباط يجيز فيه هذه الإمكانية.
وقد لقيت هذه المسألة الترحيب من جل المهتمين( محامين، أساتذة جامعيين...)، بالنظر لما توفره من وقت وجهد على المتقاضين، بحيث أن تبسيط مسطرة التقاضي تجعل المتقاضين يقبلون عليها، خصوصا إذا ما علمنا أن جل القضايا تحتاج بعد الحصول على حكم يقضي بإلغاء القرار الإداري، اللجوء إلى القضاء الشامل حتى يحصل المحكوم له على مراده، مما يجعلنا نتصور حجم المعانات التي يعيشها المتقاضي، غير أن هناك من يعارض هذا الاتجاه بدعوى غياب السند القانوني، ثم بالنظر للاختلاف الموجود بين دعوى الإلغاء ودعوى القضاء الشامل.
فإننا نرى أنه ينبغي الدفاع على إمكانية الجمع بين الدعويين، نظرا للمزايا والفوائد التي تحققها للمتقاضين، خصوصا وأن القضاء الإداري وكما هو معلوم جاء من أجل ضمان حقوق المواطنين في مواجهة الإدارة، ومن أجل بناء دولة القانون، هذه الدولة لا يمكن أن تقوم إذا لم يستطع الأفراد التوصل إلى حقوقهم بسرعة ومن خلال أقصر الطرق وأسهلها، ثم بالنظر إلى طبيعة القضاء الإداري.
ومع ذلك فإن إمكانية الجمع رهينة باستيفاء بعض الشروط المتمثلة في كون كل طلب على حدة ( الإلغاء والتعويض) ينبغي أن تتوفر فيه الشروط التي تجعله مقبولا لدى المحكمة.
وهكذا فإنه لا يوجد ما يمنع الموظف من تقديمه، لطلب الإلغاء وطلب التعويض ضمن نفس المقال وأمام نفس الهيئة القضائية.
لقد حدد الفصل 8 من قانون 41-90، الفئات المعنية بالمنازعات المتعلقة بالوضعية الفردية في الموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية.
وقد عرف الفصل 2 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية المؤرخ في 24/02/1958، الموظف بأنه:" كل شخص يعين في وظيفة قارة، ويرسم في إحدى درجات السلم الخاص بأسلاك الإدارة التابعة للدولة"، كما أن الفصل 1 من القانون الأساسي لموظفي الجماعات المحلية المؤرخ في 27/9/1977 حدد صفة موظف بالجماعات،كل شخص يعين في منصب دائم ويرسم بإحدى درجات تسلسل أسلاك الجماعات، وبذلك لا يختلف تعريف الموظف الجماعي عن تعريف الموظف العام للدولة.
وهذا النوع من الموظفين، يرجع الاختصاص بالنزعات المرتبطة بوضعيتهم الفردية إلى القضاء الإداري بدون منازع، أما بالنسبة لنزاعات العاملين لدى المؤسسات العمومية، فبالرغم من أن المشرع نص صراحة على اختصاص المحاكم الإدارية( بمقتضى الفقرة الثانية من المادة الثامنة من القانون رقم 41-90) للبت في نزاعات هؤلاء، فإنه ومنذ إحداث المحاكم الإدارية، ما يزال السؤال يطرح بإلحاح عن التكييف القانوني لوضعية العاملين في المؤسسات العمومية، بمعنى هل يعتبر العاملون في المؤسسات العمومية موظفين عموميين خاضعين لقانون الوظيفة العمومية، وبالتالي اختصاص المحاكم الإدارية بالبت في النزاعات المتعلقة بوضعيتهم الفردية، أم عمالا وأجراء خاضعين لأحكام قانون الشغل، وبالتالي اختصاص المحاكم العادية؟
وهكذا تأرجحت أحكام القضاء الإداري المغربي في مجال النزاعات الخاصة بمستخدمي المؤسسات العمومية،بين اعتبار أن الاختصاص في هذه المنازعات يرجع إلى القضاء العادي، وبين إعطاء الاختصاص للقضاء الإداري .
والملاحظ من خلال تتبع أحكام القضاء الإداري المغربي، يتضح لنا أن الاجتهاد القضائي مر بمرحلتين، في الأولى تبنى المعيار العضوي من أجل تأسيس الاختصاص، وفي المرحلة الثانية تبنى المعيار الموضوعي وشرط الدعوى الموازية من أجل استبعاد اختصاص القضاء الإداري في هذه المنازعات.
بالنسبة للمرحلة الأولى: والتي تم فيها اعتماد المعيار العضوي من أجل إسناد الاختصاص للقضاء الإداري في مجال المنازعات المتعلقة بالوضعية الفردية لمستخدمي المؤسسات العمومية، بحيث يكفي أن يكون المقرر المطعون فيه صادرا عن المؤسسة العمومية بصفتها سلطة إدارية ليتولى المجلس البت في النزاع دون اعتبار للمركز القانوني للطاعن.
وهذا الموقف تبنته الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، وتبعتها في ذلك المحاكم الإدارية في العديد من الأحكام، ومن القرارات التي اعتمدت فيها الغرفة الإدارية المعيار العضوي، نجد قضية محمد بدوي ضد مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية، وقضية الصادقي المومني ضد مكتب التسويق والتصدير، الذي جاء فيه:" وبالتالي فإن المقررات المتخذة من طرف المدير تدخل في عداد المقررات الصادرة عن السلطات الإدارية، الأمر الذي يجعلها قابلة للطعن أمام المجلس الأعلى عن طريق الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة، وذلك بقطع النظر عن الروابط التي تربط الطاعن بالمكتب".
كما اعتبرت الغرفة الإدارية، في قضية ماريا المزكلدي ضد مكتب التسويق والتصدير، أن قرار مدير مكتب التسويق والتصدير والقاضي بإعفاء المعنية بالأمر بناء على قرار تقليص المستخدمين يعتبر قرارا إداريا يمكن الطعن فيه بواسطة دعوى الإلغاء.
وبصفة عامة أجازت الغرفة الإدارية في العديد من قراراتها، للعاملين في المؤسسات العمومية الطعن بالإلغاء في القرارات الصادرة عن مديريها وتمس مقتضيات القانون المنظم لوضعيتهم.
كما أن المجلس الأعلى، خلال هذه المرحلة اقتصر على المعيار العضوي لتحديد مفهوم المقرر الإداري، حيث تمسك بالنظر إلى طبيعة السلطات مصدرة المقررات أو الأنشطة المطعون فيها، دون اعتبار لطبيعتها الجوهرية وللنظام القانوني المطبق عليها، بحيث لم يأخذ بعين الاعتبار النشاط الذي تزاوله المؤسسة.
وبالتالي لم يأخذ المجلس خلال هذه المرحلة بالدفع بعدم قبول طلب الإلغاء لكون المعني بالأمر تربطه بمشغله علاقة يحكمها القانون الخاص، بحيث اعتبر أن القرارات المتخذة في حق الطاعن خصوصا قرارات الطرد، تدخل في عداد القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية، حيث لم يأخذ المجلس الأعلى بعين الاعتبار النشاط الذي تزاوله المؤسسة العمومية( إدارية، اقتصادية، اجتماعية)، فالعبرة كانت بطبيعة القرارات المطعون فيها، إذ يكفي أن تكون صادرة عن مؤسسات عمومية.
وقد اتبعت المحاكم الإدارية نفس التوجه، في عدد مهم من أحكامها، بحيث اعتمدت المعيار العضوي لتأسيس اختصاصها، واكتفت بكون المقرر المطعون فيه صادرا عن مدير المؤسسة العمومية المعنية بصفته سلطة إدارية ليكون النزاع الناشئ بين المؤسسة التي يشر على تسيرها وأحد مستخدميها، من اختصاص المحكمة الإدارية، ومن بين هذه الأحكام نذكر:
حكم المحكمة الإدارية بوجدة، قضية القاسمي عبد المالك، الذي جاء فيه:" وحيث أن الطاعن يشتغل لدى المكتب الوطني للاستثمار الفلاحي المنشأ بمقتضى المرسوم الملكي المؤرخ في 22 أكتوبر 1996، والذي ينص فصله الأول على أن المكتب مؤسسة عمومية يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وأن المادة الثامنة من قانون المحاكم الإدارية تتحدث عن النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للعاملين في المؤسسات العامة".
حكم إدارية مراكش، قضية عبد الإلاه منصور ضد وزير الصيد البحري، الذي جاء فيه:" حيث إن وزارة الصيد البحري مصدرة القرار المطعون فيه شخص من أشخاص القانون العام وسلطة إدارية، الشيء الذي تكون معه قرارات العزل الصادرة عنها قرارات إدارية وذلك بإعمال المعيار العضوي، ومن تم تعتبر قابلة للطعن عن طريق دعوى الإلغاء لتجاوز السلطة بقطع النظر عن العلاقة التي تربط الطاعن بالإدارة وهل تخضع للقانون العام أو الخاص؟ومن المعلوم أن إعمال هذا المعيار يتماشى ومقتضيات المادة الثامنة من القانون المنظم للمحاكم الإدارية التي أخذت بهذا المعيار عندما نصت على اختصاص هذه المحكمة بإلغاء قرارات السلطة الإدارية بسبب تجاوز السلطة، كما أن نفس القانون كرس نفس المعيار عندما أسند لهذه المحاكم الاختصاص للبت في الوضعية الفردية لجميع الموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة دون أن يميز في ذلك بين ما إذا كانوا موظفين عموميين تابعين لقانون الوظيفة العمومية أو أعوان مؤقتين غير مرسمين تربطهم بالإدارة عقود خاصة، كما يتماشى مع قبول الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى للطعون بالإلغاء الموجهة ضد قرارات العزل كما في النازلة معتبرة إياها قرارات إدارية صادرة عن سلطة إدارية( انظر على سبيل المثال القرار رقم 46 الصادر بتاريخ 25/1/1966 وغيره) هذا فضلا عن أنه على فرض ثبوت خضوع الطاعن في علاقته مع الإدارة لقانون الشغل فعلا فإن الطلب لا يتعلق بحالات التعويض التي يحكمها القانون الذي تختص المحكمة الابتدائية بتطبيقه وإنما ينصب على الطعن ضد قرار عزل الطاعن مما يجعل المحكمة مختصة للبت فيه".
حكم المحكمة الإدارية بالرباط، الذي جاء فيه: " وحيث أن المدير يعين بظهير ويتولى إدارة وتسيير مرفق عام اقتصادي تابع للدولة مما يجعله سلطة إدارية وتكون قراراته خاضعة للطعن فيها عن طريق دعوى الإلغاء بقطع النظر عن خضوع المقرر الصادر عنه لأحكام القانون العام أو القانون الخاص".
أما الاتجاه الثاني، والذي يمثل المرحلة الثانية: فهو يتبنى المعيار الموضوعي وشرط الدعوى الموازية، من أجل استبعاد اختصاص القضاء الإداري بنزاعات مستخدمي المؤسسات العمومية.
فالمجلس الأعلى في بداية الثمانينات، قرر أن العاملين بالمؤسسات العمومية خصوصا التجارية والصناعية( باستثناء المدير والمحاسب)، هم أجراء يخضعون في منازعاتهم لقواعد القانون الخاص ولاختصاص المحاكم العادية، وهكذا قضت الغرفة الإدارية برفض الطعن في العديد من القضايا لاعتبارات منها، أن حسابات المؤسسات العمومية خصوصا ذات الصبغة الاقتصادية تنظم وفق القوانين والأعراف الجاري بها العمل في التجارة، وبالتالي فإن المنازعات الفردية تدخل في اختصاص المحاكم العادية".
وهكذا جاء في قرار للغرفة الإدارية:" إن المكتب الوطني للماء الصالح للشرب مؤسسة عمومية ذات طابع تجاري وصناعي، ولما كان الطاعن مجرد مستخدم لدى الكتب، فإن المحكمة الابتدائية هي المختصة بالنظر في النزاع".
بالإضافة إلى المعيار الموضوعي، قامت الغرفة الإدارية باعتماد على شرط الدعوى الموازية من أجل استبعاد اختصاص القضاء الإداري بنزاعات مستخدمي المؤسسات العمومية.
المقصود بشرط الدعوى الموازية هو:" عدم قبول دعوى الإلغاء، سواء أمام الغرفة الإدارية أو أمام المحاكم الإدارية، إذا كان القانون قد نص على وجود دعوى في الموضوع ذاته تؤدي إلى نفس النتيجة، أي يكون المشرع قد نضم لصاحب المصلحة طريقا أخر للطعن، يتمكن من خلاله من التخلص من أثار القرار الصادر عن السلطة الإدارية، والمشوب بعدم الشرعية".
ومن القرارات التي طبقت فيها الغرفة الإدارية، شرط الدعوى الموازية، نجد:
قرار المجلس الأعلى، الصادر بتاريخ 19/10/1998، الذي جاء فيه:" أن مهمة المستأنف تنحصر في القيام بدور كاتب رئيس مساعد، وبذلك فهو يعتبر من فئة المستخدمين الخاضعين لأحكام القانون الخاص في علاقته التعاقدية مع بنك المغرب، كما لاحظ قضاة الدرجة الأولى، وبذلك فإن قرار الفصل وإن كان قرارا إداريا صادرا عن سلطة إدارية قابلا للإلغاء، إلا أن هذه القابلية مشروطة بعدم وجود دعوى موازية، كما نص على ذلك القانون المحدث للمحاكم الإدارية".
وقد اتبعت المحاكم الإدارية هذا الاتجاه، في العديد من أحكامها نذكر منها:
حكم المحكمة الإدارية بالرباط، بتاريخ 19/03/1998، عدد346، بين الدحاني فاطمة والصندوق الوطني للقرض الفلاحي، بحيث جاء فيه:" وحيث إنه كان في إمكان الطاعنة اللجوء إلى المحكمة العادية للمطالبة بحقوقها في إطار نزاعات الشغل، وحيث إنه أمام وجود دعوى موازية يتعين التصريح بعدم قبول الطلب".
حكم المحكمة الإدارية بالرباط:" وحيث أن الصندوق الوطني للقرض الفلاحي، حسب الظهير الشريف الصادر بتاريخ 04/12/1961 المنظم له، يعتبر مؤسسة عمومية ذات طابع مالي، وتتمتع بالشخصية المدنية والاستقلال المالي، وأن القرارات الصادرة عن المدير العام لهذه المؤسسة، وإن كانت قرارات إدارية قابلة للطعن فيها عن طريق دعوى الإلغاء، إلا أن قبول الطعن مشروط بعدم وجود دعوى موازية طبقا للمادة23 من القانون رقم 41-90، وحيث أن الطاعن كان بإمكانه الحصول على نفس النتائج أمام المحكمة العادية في إطار نزاعات الشغل، لهذا يتعين الحكم بعدم قبول الطلب".
وبالتالي فإن هذه المحاكم استعملت شرط الدعوى الموازية، لاستبعاد اختصاصها بهذا النوع من المنازعات، لكن وكما هو معلوم، فإن تطبيق شرط الدعوى الموازية، رهين بتحقيقها لنفس نتائج دعوى الإلغاء، فهل الدعوى الموازية في مجال منازعات المتعلقة بالوضعية الفردية لمستخدمي المؤسسات العمومية، تحقق لهم نفس النتائج؟!
الجواب بطبعة الحال هولا خصوصا عندما يطلب الطاعن بإرجاعه إلى عمله، فيعمل القاضي ( العادي) على إجراء جلست بحث( جلسة صلح)، إذا فشلت ننتقل إلى نزاع الشغل( التعويض).
إذن أين هي الدعوى الموازية المحققة لنفس النتائج؟!، لكن في إطار الإلغاء إذا تم إلغاء القرار فإنه يرجع إلى عمله.
هذا ما جل المحكمة الإدارية بالرباط، تتمرد على ما استقر عليه الاجتهاد القضائي في السنوات الأخيرة، وقد أيدتها الغرفة الإدارية في ذلك، بحيث أصبحت تقضي بقبول طلبات التسوية الفردية الخاصة بالمستخدمين في المؤسسات العمومية، دون النظر إلى وجود أو عدم وجود الدعوى الموازية.
سنرى في هذا المبحث، مدى الحماية التي وفرها القضاء الإداري المغربي للموظف أثناء التأديب ( المطلب الأول)،ثم الضمانات التي وفرها له من أجل التمتع بحقوقه ( المطلب الثاني).
إن التأديب هو الوسيلة المثالية لإلزام الموظف العمومي باحترام واجبات وظيفته، فكما أنه من اللازم أن يكافأ الموظف المجد على اجتهاده بالترقية وغيرها، فإنه من الضروري أن يعاقب الموظف المهمل على إهماله بالعقوبات المناسبة.
وإذا كان التأديب ضروريا، فإن مراعاة حقوق الموظف في الدفاع عن نفسه، وتوقيع العقوبة عليه من قبل الجهة المختصة، وغير ذلك من الضمانات، تعتبر أيضا ضرورية بالنظر مبادئ حقوق الإنسان ودولة القانون، من هنا يبرز الدور الذي يطلع به القضاء الإداري في هذا المجال، باعتبار الجهاز الأقدر على ضمان حماية الموظف أثناء خضوعه لتأديب، ويتجلى ذلك من خلال:
- ضمان تمكين الموظف من الدفاع عن نفسه وذلك بإطلاعه على ملفه الإداري وعلى جميع الوثائق الملحقة به لإبداء ملاحظاته الكتابية والشفوية، وكذلك مؤازرته بمحام، وهذه الضمانة منصوص عليها في الفصل 67 من ظهير 1958 المشار إليه أعلاه، فإذا لم تحترم هذه الضمانات فإن القضاء الإداري يقضي بإلغاء قرار المتخذ في حق الموظف، من بين هذه الأحكام نجد القرار الصادر عن الغرفة الإدارية، عدد 200 بتاريخ 28/11/1975.
ونفس الشيء بالنسبة للحكم الصادر عن إدارية مكناس،بتاريخ 28/2/2002، بين محمد معقول ضد وزير التربية الوطنية، والذي تم بصدده إلغاء القرار التأديبي بسبب عدم احترام المجلس التأديبي الآجل المقرر لإدلائه برأيه، حسب مقتضيات الفصل 70 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية".
- ضمان احترام تشكيلة المجلس التأديبي: فالقانون نص على كيفية تشكيل المجلس التأديبي، وعلى الشروط التي ينبغي مراعاتها و إلا اعتبر القرار التأديبي الصادر عن هذا المجلس متسما بعدم المشروعية، وبالتالي عندما يتبين للقاضي الإداري أن تشكيلة المجلس لم يحترم فيها القانون، فإنه يقضي بإلغاء القرار الصادر عنها، ومن بين هذه الأحكام نشير إلى الحكم الصادر عن إدارية الرباط، بتاريخ16/3/2004، قضية عبول لحسن ضد الخازن العام للمملكة، الذي جاء فيه:"لكن حيث من جهة أخرى، فإن المقتضيات القانونية التي تسري على الخرق المدعى به، هي التي نظمها الفصل الثالث من المرسوم رقم2.59.200 السالف الذكر، والذي يستفاد منه أن حضور العضو النائب لا يكون إلا في حالة تغيب العضو الرسمي، ولا يجوز بالتالي أن يكون المجلس التأديبي يتضمن في عضويته في نفس الآن العضو الرسمي والعضو الذي ينوب عنه، تحت طائلة عدم احترام القواعد القانونية في تشكيلة ذلك المجلس، والتي راعى فيها المشرع ضمان التوازن بين حقوق الإدارة وحقوق الموظف المتابع تأديبيا.
وحيث إنه بالرجوع إلى القرار القاضي بتعيين السيد محمد زويتن في حظيرة اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء، باعتباره السند القانوني الذي يبرر حضوره المجلس التأديبي الذي بت في وضعية الطاعن كما تمسكت بذلك الإدارة المطلوبة في الطعن، يتضح أنه قضى بتعينه لتمثيل الإدارة كنائب للرئيس في حظيرة اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء المختصة إزاء موظفي وزارة الاقتصاد والمالية بالمصالح الإدارية والمصالح الخارجية من رقم 2 إلى رقم 231، وهو ما يعني أن حضوره ينبغي أن يكون بصفة احتياطية وفي الحالة التي يتغيب فيها رئيس اللجنة استنادا إلى مقتضيات الفصل الثالث أعلاه، إلا أنه بالإطلاع على محضر المجلس التأديبي يتبين أن رئيس اللجنة السيد عمر الصديقي كان حاضرا أثناء البت في وضعية الطاعن، وأن حضور السيد محمد زويتن كان بصفته عضو رسمي ممثل للإدارة، وهو ما يخالف قرار تعيينه كنائب للرئيس، ويجعل بالتالي من تشكيلة المجلس التأديبي على هذا النحو لا تنسجم ومقتضيات الفصل الثالث من المرسوم رقم2.59.200، مما يكون معه هذا الشق من الوسيلة مبني على أساس سليم، ويتعين الاعتداد به".
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن القاضي الإداري يراقب أيضا تناسب تشكيلة اللجنة مع حقوق الدفاع، وذلك من خلال إلغاءه للقرار التأديبي الذي يكون فيه أحد الأعضاء خصما وحكما في نفس الوقت، من بين هذه الأحكام التي يتضح فيها حرص القضاء الإداري على ضمان حقوق الموظف إزاء تعسف الإدارة، نجد الحكم الصادر عن إدارية الرباط، في قضية محمد بن مصطفى بن بوشعيب الخراز ضد مدير الموارد البشرية، الذي قضي فيه بإلغاء القرار التأديبي بناء على الحيثية التالية:"حيث إنه من الثابت من نص القرار المطعون فيه خلال جواب الإدارة المطلوبة في الطعن، ومما لا نزاع فيه، أن ذلك القرار قد صدر بسبب النزاع الذي وقع بين الطاعن محمد الخراز ومدير الموارد البشرية أعلاه الذي هو مصدر نفس القرار عدد00632 بتاريخ 5 غشت 2003 نيابة عن وزير الفلاحة والتنمية القروية بناء على التفويض المذكور.
وحيث إنه ولئن كان مدير الموارد البشرية يتوفر على تفويض لاتخاذ مثل القرار المطعون فيه القاضي بتوبيخ الطاعن، فإنه لا يعقل أن يكون المدير المذكور خصما وحكما في آن واحد، وإنما كان على الوزير المعني بالأمر أن يصدر العقوبة موضوع النزاع إن ثبتت المخالفة المنسوبة للطاعن، أو يفوض في ذلك لشخص آخر غير مدير الموارد البشرية والحال ما ذكر، الشيء الذي يعد خرقا لأبسط مبادئ العدالة والإنصاف وحقوق الدفاع، لذا تكون هذه الوسيلة مرتكزة على أساس ويتعين لذلك إلغاء القرار المطعون فيه لعيب مخالفة القانون من دون حاجة إلى البحث في مدى ثبوت الوقائع المنسوبة للطاعن، مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك".
- كما أن القاضي يراقب احترام مسطرة التأديب: بحيث إذا تبين له أن المجلس التأديبي لم يحترم هذه المسطرة ، فإنه يقضي بإلغاء القرار التأديبي، وهكذا قضت المحكمة الإدارية بالرباط بإلغاء القرار التأديبي الذي لم يحترم الإجراءات الواجب اتخاذها في حالة انقطاع الموظف عن عمله ،وهي المنصوص عليها في الفصل 75 من ظهير 1958 المشار إليه أعلاه ( توجيه إنذار إلى الموظف إلى عنوان المعني بالأمر بالبريد المضمون مع الإشعار بالتوصل، مع إعطاءه مهلة 7 أيام من أجل الرجوع إلى عمله دون أن يتعرض لأي عقوبة)، وذلك من خلال الحيثية التالية:"وحيث إنه بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 75 مكرر المشار إليه أعلاه الذي نظم مسطرة العزل في حالة ترك الوظيفة، يستفاد منها أن تطبيق المسطرة المذكورة منوط بتوافر مجموعة من الشروط تتمثل في ثبوت واقعة الانقطاع عن العمل في حق الموظف، وأن يكون ذلك الانقطاع دون مبرر قانوني، ثم إنذاره بالالتحاق بالعمل داخل أجل سبعة أيام وعدم استجابته إليه، وأن تخلف أحد هذه الشروط ينزع عن تلك المسطرة مبررات اللجوء إليها، ويجعل من قرار العزل الصادر على إثرها متسما بعدم المشروعية".
- كما أن القاضي الإداري يراقب، عدم انحراف الإدارة عن المصلحة العامة عند اتخاذها للقرار التأديبي، وذلك إلغاءه للقرارات التي لم يتم تعليلها، أو تم تعليلها بشكل غير كافي، من ذلك القرار الصادر عن المجلس الأعلى، بتاريخ 8/1/2004، والذي قضى بأنه على المجلس التأديبي أن يعلل الرأي الذي يصدر عنه عوض اقتصاره على العموميات، دون إجراء بحث ولا تحديد تاريخ الفعل موضوع المتابعة، فهذا القرار أيد موقف المحكمة الإدارية بمراكش، الذي قضى بإلغاء قرار الإدارة بالإقصاء المؤقت عن العمل مع الحرمان من الأجرة.
كما يتم إلغاء القرارات التأديبية المبنية على وقائع غير صحيحة من ذلك، الحكم الصادر عن إدارية الرباط، بتاريخ 2مارس 2004، قضية نادية بوسلامة ضد وزير التربية الوطنية، الذي جاء فيه:" لكن، حيث إنه بالرجوع إلى وثائق الملف وخاصة الإيصال باستلام الشهادة الطبية من طرف مدير مجموعة مدارس أيت لحسن بتاريخ 6/4/1999، المتضمنة لرخصة مرضية لمدة يومين من 5/4/199 إلى 6/4/1999 مسلمة للطاعنة من طرف الدكتورة تاجي رشيدة، إضافة إلى شهادة بالموافقة على الرخصة الطبية التي قبل فيها النائب الإقليمي الشهادة الطبية المدلى بها من طرف الطاعنة، وهي وثائق تبين كلها أن تغيب الطاعنة عن العمل خلال يوم 5/4/1999، كان مبررا بحالتها الصحية التي تعكسها الشهادة الطبية التي قدمتها للإدارة، التي وافقت عليها دون أي تحفظ ولم تطلب إجراء فحص مضاد لها، وبالتالي كان عليها أن تأخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ القرار المطعون فيه الذي لم يصدر إلا بتاريخ 26/4/1999، أي بعد تحقق علمها بمبرر غياب الطاعنة وعدم منازعتها في جديته، مما يجعل من السبب الذي استند إليه القرار المطعون فيه غير قائم على وقائع صحيحة ويكون بالتالي القرار المطعون فيه غير مشروع ويتعين الحكم بإلغائه."
-كما أن مراقبة القاضي الإداري تتمثل أيضا في إلزام الإدارة بمتابعة مسطرة التأديب، حتى لا تبقى وضعية الموظف معلقة، وقد قضى المجلس الأعلى في هذا الصدد بما يلي:" لكن حيث إن القرار المطعون فيه وإن كان مجرد إجراء تمهيدي يقضي بتوقيف الطاعن المذكور إلى حين عرض قضيته على المجلس التأديبي إلا أن الفصل 73 من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية واضح وصريح في وجوب تسوية وضعية الموظف الموقوف خلال أربعة أشهر ابتداء من اليوم الذي جرى به العمل بالتوقيف وأن المشرع قد نص على أنه في حالة عدم صدور أي مقرر عند انتهاء الأجل فإن الموظف يتقاضى من جديد كامل مرتبه.
وحيث إن الإدارة لا تنازع في أنها لم تعرض قضية الموظف المذكور على المجلس التأديبي رغم مرور أجل أربعة أشهر فيكون قرارها المذكور أصبح متسما بالتجاوز في استعمال السلطة مما يبرر إلغاءه وبذلك فإن الحكم المستأنف يعتبر واجب التأييد".
ولنفس الغاية، يتم اعتبار قرار إيقاف الراتب نهائي قابل للطعن فيه بالإلغاء، بحيث جاء في حكم إدارية الرباط، ما يلي:" لكن، حيث إن صفة الإجراء التمهيدي التي يمكن الاعتراف بها لإيقاف الراتب المنصوص عليه في الفصل 75 مكرر المشار إليه، إنما تكون بالنظر إلى موقع الإجراء المذكور ضمن مسطرة اتخاذ قرار العزل بسبب ترك الوظيفة، وبالتالي فإن الصفة المذكورة لا تستقر لذلك الإجراء إلا إذا أعقبه إصدار قرار بالعزل بعد مرور ستين يوما على إيقاف الراتب، وأنه في الحالة التي لا تصدر فيها تلك العقوبة رغم مرور ذلك الأجل، فإن إيقاف الراتب يصبح قرارا منفصلا وقائم الذات، ومؤثرا في المركز القانوني، ويمكن الطعن فيه عن طريق دعوى الإلغاء، خاصة وأنه في نازلة الحال يستشف من جميع أوراق الملف ومذكرات الأطراف أن الإدارة لم تصدر بعد قرارا بعزل الطاعن، لذلك يكون قرار إيقاف راتبه مستجمعا لمقومات القرار الإداري القابل للطعن، ويتعين بالتالي استبعاد الدفع المثار بهذا الصدد".
ولم يقتصر عمل القاضي الإداري عند هذا الحد( أي مراقبة تطبيق المسطرة التأديبية، وعدم الانحراف في استعمال السلطة عن أغراض المصلحة العامة)، بل امتد مراقبة المغالاة في استعمال المصلحة العامة، وذلك من خلال مراقبة مدى تناسب العقوبة المقررة مع جسامة الخطأ المرتكب من قبل الموظف، بحيث لم يعد دور القاضي يقتصر في التأكد من كون السبب المعتمد من قبل سلطة التأديب كأساس للجزاء، يقوم على وقائع حقيقية لا يوجد أدنى شك حول صحتها المادية، وكذا التحقق من كون تكييف الإدارة لهذه الوقائع الثابتة يندرج ضمن الصنف الذي يحدده النظام الأساسي الذي يخضع له الموظف المتابع، أي أن هذه الوقائع تدخل في عداد الحالات التي يجوز لسلطة التأديب التمسك بها كسبب لتبرير جزائها.
بحيث أن الاجتهاد القضائي كان مستقرا على عدم تجاوز المراقبة القضائية لهذا الحد، وذلك منذ صدور قرار محمد الدانج( قرار عدد 251 بتاريخ 26/11/1962)، وهذا الوضع تغير بعد صدور حكم إدارية الرباط، بتاريخ 23/5/1995، قضية بوليل محمد، وهذا ما أكده المجلس الأعلى من القرار عدد136 الصادر بتاريخ 13/2/ 1997، قضية أجدع رشيد،وهكذا أصبح القاضي الإداري يفحص العلاقة بين جسامة الخطأ ودرجة العقوبة التأديبية، ويحرص على ضرورة قيام نوع من الملاءمة بينهما، حيث أضحت هذه الملاءمة عنصرا أساسيا من عناصر مشروعية الجزاء التأديبي.
ومن أهم الأحكام التي تبرز لنا بوضوح، حرص القاضي الإداري على ضمان حماية فعالة للموظف، نجد الحكم الصادر عن إدارية الرباط، بتاريخ 4/3/1999، قضية فريدة بن عصمان ضد الصندوق الوطني للقرض الفلاحي، وتتلخص وقائع هذه القضية في أن السيدة فريدة بن عصمان كانت تعمل بمدينة سلا لدى القرض الفلاحي، وهي متزوجة، فصدر قرار تأديبي في حقها يقضي بنقلها إلى بنجرير ، فتقدمت هذه الأخيرة بمقال أمام المحكمة الإدارية تطعن فيه في هذا القرار، وبالفعل استجابة المحكمة لطلبها، من خلال الحيثية التالية:" وحيث إن الإدارة المذكورة، ولئن كانت لها سلطة تقديرية في اتخاذ العقوبة التي تراها مناسبة في حق مستخدميها، فإنه بالنظر إلى وضعية الطاعنة( كامرأة متزوجة) فإن عقوبة النقل المتخذة في حقها تعتبر بالنسبة إليها غير مناسبة، والحال أنه كان بالامكان اتخاذ عقوبة أخرى في حقها من نفس الدرجة، عوض اتخاذ عقوبة النقل التي قد تؤدي حتما إلى تشتيت شمل أسرة الطاعنة بكاملها، بالنظر إلى المسافة الفاصلة بين مدينة سلا ومدينة ابن جرير التي تم نقلها إليها...".
وبالإضافة إلى العقوبات المنصوص عليها في القانون، نجد نوعا أخر من العقوبات، وهو ما يصطلح عليه بالعقوبات المقنعة، وأبرز مثال على هذه العقوبات هو المتمثل في النقل، حيث أن الرؤساء الإداريون يتخذون في بعض الأحيان قرار بنقل الموظف، ليس بهدف تحقيق المصلحة العامة، بل بغرض عقاب الموظف، ولقد تنبه القضاء الإداري لعدم مشروعية هذا التصرف وخطورته على الاستقرار الوظيفي، واتخذ القضاء الإداري موقفا واضحا من هذا التصرف الإداري غير المشروع ولم يتردد في إعلان عدم مشروعية قرارات النقل وقضى بإلغائها.
ومن بين هذه الأحكام، نجد:
- الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بوجدة، الصادر بتاريخ 12/07/1995، بين عبد الله النهاري ضد رئيس غرفة الصناعة التقليدية بوجدة، التي قضت بإلغاء القرار الصادر عن رئيس الغرفة الصناعية بوجدة، القاضي بنقل الطاعن إلى بوعرفة وما يترتب عنه من آثار قانونية، بالنظر إلى أن إصدار قرار النقل من شأنه أن يعطل المهام المنوطت به ويؤثر سلبا على المصالح العامة التي يسهر على تنفيذها داخل هذه الهيئات.
- كما أن المجلس الأعلى ساير موقف المحاكم الإدارية، من خلال مراقبته للغاية من إصدار قرار النقل، والحكم بإلغائه إذا كان القرار غير مشروع.
إذا كنا رأينا في المطلب الأول أن الموظف يخضع لجزاء تأديبي عند عدم قيامه بواجباته، في أنه في المقابل يتمتع بالعديد من الحقوق، من بينها:
- الحق في الراتب: وهو المبلغ الذي يتقاضاه الموظف العام من الدولة شهريا وبصفة منتظمة منذ التحاقه بوظيفته وحتى انتهاء علاقته بها، وذلك في مقابل تفرغه للعمل لديها طوال تلك الفترة، وللموظف الحق في تقاضي مرتبه بصفة منتظمة طالما أنه مستمر في أداء عمل