الفصل الثآآني
كان الجو متوترا اثناء تانول العشاء والحق ان هانا و نيكولا كانا سعيدين
جدا بعودة ابنهما و لكن ما ان راح اثر المفاجاة حتي لاحظت هانا ان علاقتهم
ببعضهم يشوبها بعض التحفظ و في البداية لم تستطيع تعليل ذلك و لكنها ادركت
بعد قليل انهم يتحاشون التحدث عن الابن الاصغر خاصة ان خطيبته تشاركهم
الجلسة و لم يذكره احد الا عندما اخبرا هيرمان ان جريج يقيم حاليا في سيدني
و لن يعود قبل يومين تري هل ستتسبب زيارة هيرمان المفاجئة في توتر عائلي
الآن ؟
و لم يفكر هيرمان في طمانتهم كما انه لم يذكر عن كتابه الجديد الا القليل فقال :
- انها مجرد فكرة غير مؤكدة و لا اعرف حتي الآن ما اذا كنت سأفعل فيه شيئا
ام لا الحقيقة اني حضرت الي هنا خصيصا بحثا عن العزلة و كان زواج هيلين و
جريج حجة لي .
ثم ركز نظراته علي هيلين التي اخفضت نظرها و نظرت الي الطبق الموجود امامها و أضاف :
- انني في حاجة الي بعض الهدوء ...
ثم سألته والدته بقلق :
- الا تعاني اي شيء ؟ الست مريضا ؟
- كلا ، كوني مطمئنة يا امي .. و كما قلت لك كل ما احتاج اليه هو القليل من الراحة .
تقبل نيكولا و هانا حديث ابنهما بنظرة شك و الحق ان هانا لم تقتنع بما قاله
و كان هيرمان علي الرغم من ارهاق السفر يتألق حيوية و من الواضح انه ليس
من طراز الرجال الذين يفضلون البطالة ولو كانت مؤقته .
ظلت هيين تراقبه طوال الوقت خلسة محاولة تذكر كل ما قيل عنه من قبل ، ففي
السادسة و الثلاثين من عمره وصل هيرمان نايت الي قمة مجده و لكن النقاد لم
يستطيعو ايدا ان يؤكدوا ما اذا كان ينوي الاستمرار في مجال كتابة القصة أم
لا .
و قبل ذلك بعشر سنوات كان هيرمان من افضل الصحفيين في نيوزلنده و بعد فشله
في تجربة زواجه رحل تاركا بلاده ليعمل كمراسل صحفي لجريدة استرالية ثم حدث
ان تم اختطاف الطائرة التي كان يسافر علي متنها مما أثار ضجة عالمية و بعد
عدة اعوام من هذه الحادثة اصبح لتوقيع هيرمان نايت علي بعض مقالاته الصحفية
شهرة تخترق الآفاق .
لم تكن اي حادثة تقع او اي معركة تدور الا و يزج هيرمان بنفسه في خضم
احداثها و خلال فترة التي يكرسها لكتابة هذه المقالات الشهيرة بدأ يكتب
ايضا سلسلة من القصص التي لاقت رواجا لا مثيل له و الحق ان قصصه كانت حافلة
بمشاهد العنف و اليأس مما كان يؤثر في هيلين كثيرا .
و بعد ان أفل نجم هيرمان لفترة ما و جرت الشائعات التي تؤكد قيامه بتحقيق
ما حول عملية سرية و خطيرة و مع ذلك رجع من جديد بخفي حنين فاعتبره البعض
انتهي ككاتب و صحفي و يبدو و انه كان غير سعيد بمهنته كمراسل صحفي خارج
البلاد و اكتفي بعد ذلك بإنفاق الثروة التي جمعها خلال هذه الفترة و كان
يرفض تماما الاجابة عن الاسئلة التي وجهت اليه بصدد الاشهر الستة الاخيرة
التي قضاها بعيدا .
و بعد عدة اسابيع بدأ اسم مؤلف جديد يدعي ستيفان ايرانت يجوب الافاق و من
المدهش ان قصته التي ظهر بها نالت اعجاب الجميع و لاقت رواجا فائقا و كانت
قصة عاطفية تدور حول رجل انتقل فجأة من حياة بائسة الي مستقبل مشرق و حر ،
فأعجب الجميع بحبكة الرواية و اسلوبها الابطال الذي جذب انتباه الآف القراء
و كانت قصة ملاك في الظلمات هكذا كان عنوانها تدور في جو غريب يتأرجح بين
الحقيقة و الخيال و بعد قراءة القصة كان القارئ يعجز عن التأكيد ما اذا
كانت البطلة هذه ثمرة خيال البطل ام انها حقيقة و اقعة .
و بعد فترة عرف الجميع حقيقة شخصية المؤلف و كان :
هيرمان نايت فقوبل بترحاب عظيم و علقت الجرائد علي هذه القصة بل ووصل بعضها ان اعتبرت نايت ما هو الا بطل القصة الحقيقي .
ثم ظهرت قصة ثانية تحت اسمه الحقيقي بعد عام واحد فوضعت حدا لهذه الشائعات
حيث كانت تختلف تماما عن قصة ملاك في الظلمات و لكنها احدثت دويا عظيما في
عالم الادبي ايضا .
و نالت هاتان القصتان جوائز عديدة و بعد عام اخر ظهرت له قصة ثالثة حققت الرقم القياسي في المبيعات .
شعرت هيلين بالاستغراب كثيرا عندما وجدت نفسها جالسة امام الرجل الذي اشتهر
بأنه عملاق الأدب فعلي الرغم من الحياة التي كان يعيشها الا انها لم تلاحظ
عليه اي شيء غير مألوف و كان قميصه الابيض يعكس لون بشرته و ذبولها و كانت
حركاته غاية في المرونة و الحق انه كان رائعا في كل شيء .
ثم وجدت هيلين نفسها معجبة جدا بمظهره القوي البرونزي الذي يظهر من خلال
فتحة قميصه و فجاة لاحظت انه يلاحظ نظراتها نحوه فلم تستطيع تحويل نظراتها
عنه و خاصة وان الريق الغريب الذي كان يشع من عينيه كان يجعلها ترتجف بشدة .
- الست جائعة ؟
فوجئت هيلين بصوت هيرمان الدافيء و المسترسل .
و لاحظت انها ابعدت الطعام الموجود امامها بدون ان تعي ذلك .
- ليس بالضبط .
-ان الوقت يبدو لك طويلا بدون جريج ...
هل كان يسخر منها ؟ لقد تركت له هيلين فرصة الريبة في تصرفاتها ، فأجابت بلطف :
- لست من النوع الذي يشعر بالملل .
- عين الحكمة ! عدم التفكير في المصير و الاستفادة من الحياة هذا صحيح !
رفع هيرمان حاجبيه ساخرا و لاحظت هيلين انه فهم انها تقصده بحديثها هذا .
قاطعتها هانا قائلة :
- يبدو ان طعامي دسم جدا بالنسبة لـ هيلين فهي ترفض تناول المواد الدهنية ..
فاعترضت هيلين بصدق :
- انت طباخة ماهرة با هانا ان طعم الدجاج رائع ! و لكنني لا اتناول ابدا كمية كبيرة من الطعام .
قال هيرمان و هو يشير الي الكوب الفارغ امام هيلين :
- و لكنك لن ترفضي قليلا من العصير علي ما اعتقد !
اجابت هيلين :
- انا لا ارفض شيئا كما انني اعتقد انني معتدلة في كل شيء .
- الاعتدال في كل شيء ، اليس كذلك ؟ اذن لقد وجد جريج نموذجا للفضيلة فيك ! .
- الحقيقة انا التي وجدت جريج في الوقت الذي كنت اطمح فيه لشيء اقل من ذلك !
كانت هيلين تقول الحقيقة فقد كانت تفكر في عدة مشاريع انذاك و اكن الزواج
احدها و لكنها تعرف ايضا ايضا ان الانسان قد يشعر بالندم علي اشياء لم
يفعلها لذلك لم تترد لحظة واحدة عند\ما وقعت في حب جريج ولا داعي اذن لأن
تدعي انها لم تكن تنوي الزواج بسرعة .
تدخلت هانا قائلة :
- هيرمان هل اخبرتك في رسالتي ان هيلين تصمم البلوفرات ؟ وقد كانت مجموعتها
الاخيرة تحتل المكانة الاولي لأزياء مجلة فوج في الطبعة الاسترالية انها
تصمم فعلا بلوفرات رائعة ! كما نجحت في تصميم بلوفر رائع يحمل رسومات بعض
الاشجار و الفواكه لوالدك و انت تعرف والدك في البداية رفض ارتداءه ثم بدأ
يبحث عنه بعد ذلك ليرتديه اليس كذلك يا نيك ؟
فقال نيكولا :
- لقد فعلت ذلك لسبب ملموس و هو انك قمت بتبرع بكل ملابسي الصوفية .
فابتسمت هيلين بخبث لـ نيكولا فقد اهدته هانا هذا البلوفر في عيد ميلاده و
هي تجهل تماما ان هيلين اتفقت معه مسبقا علي الموديل فقد خشيت هيلين ان
تنفذ البوفر بدون الاستعانة برأي نيك حتي لا يرفضه و الحق انه كان مولعا
بالأزهار لذلك سعد كثيرا بالفكرة هيلين كما انه ابدي استيائه في البداية
لهذا العمل حتي لا يضيع علي هانا سعادتها بالمفاجاة التي اعدتها من اجله .
ففهم هيرمان مغزي النظرات التي تبادلتها هيلين مع والده و قال :
- ربما احتج انا ايضا الي بلوفر جديد .
فاقترحت هانا :
- لماذا لا تطلب من هيلين تصمم لك واحدا اثناء اقامتك هنا ؟ ما رأيك يا
هيلين ؟ انها دعاية رائعة لك عندما يرتدي هيرمان نايت بلوفر من تصميمك !
اجابت هيلين :
- ان وقتي مزدحم بأعمال كثيرة .
قال هيرمان كأنه يرجوها لقبول العرض :
- ان الشتاء في نيويورك غاية في الربودة .
- هل تقضي الشتاء في نيويورك ؟ كنت اعتقد انك تقضيه دائما مع .. اقصد في البلاد الحارة .
- كاتنك تحاوين دائما معرفة اشياء كثيرة عني فانت ملمة بمعلومات كثيرة !
صاحت هانا :
- كف عن مضايقة هيلين ... ان حياتك الخاصة لا تخفي علي احد .
اشار هيرمان نحو رأسه قائلا :
- كلا ! ان تفاصيل حياتي الخاصة هنا و ما هو معروف عني يخص حياتي العامة مادام ذلك يرفع عدد مبيعات قصصي ...
رفع هيرمان كتفيه ثم استدار نحو هيليت التي بدأت تشعر ببعض الهدوء و قال :
- اقسم ان حياتي خالية من اي مساوئ و افعال خارجة كما يقال يا هيلين ... و
الآن هل توافقين علي حمايتي من عناء البرد القارس خلال الشتاء القادم ؟
جاهدت الفتاة لكي تبتسم و هي تقول :
- ما الشكل الذي تفضله بالضبط ؟
- ما رأيك في هالة ؟ نعم ... هالة وسط خلفية سوداء ... فكرة تلائم الظروف
اليس كذلك ؟ كما لو كنت ابحث عن .. الملاك الذي يتنمي الي هذه الهالة حجة
رائعة لاحتضن بها الفتيات .
نظرت اليه هيلين في غضب فانفجر هيرمان في الضحك .
- لنحاول اذن ، عديني بذلك فقط ! و اذا لم تعجب السيدات بهذه الهالة فسأبعدهن عنها فورا !
- و لكني احذرك ان اسعاري باهضة جدا .
قال هيرمان بصوت هادئ :
- لا اهمية للمال نهائيا .
تدخل نيكولا قائلا :
- ليس بالنسبة لهيلين فهي تدخر اموالها من اجل تمويل رحلاتها ..انها متعة
حقيقة يا هيلين ، اليس كذلك ؟ لقد سافرت كثيرا ... اروبا .. اسيا ..
فقال هيرمان موجها حديثه لاسرته كأنه يحاول ضبطها متلبسة بالكذب :
- هونج كونج ؟
فاجابت هيلين بصوت حاد مما ادهش هانا :
- كلا لم اذهب الي هونج كونج .
و هنا قالت هانا :
- ليس بعد و لكن من المؤكد انك ستذهبين هناك لزيارة شقيقتك .
- شقيقتك ؟
قفز هيرمان من مكانه و اضاف :
- لقد اخبرتني ان شقيقتك تقيم في الولايات المتحدة .. ربما كان لك شقيقة اخري ..
- كلا ان سوزان شقيقتي الوحيدة و زوجها يعمل في شركة د\ولية للمنتجات الكميائية و لذلك ينتقلان كثيرا و الآن هما في هونج كونج .
- هل هي هناك لأول مرة في حياتها ؟
اجابت هيلين بجفاء :
- نعم ..
فهي تعرف جيدا ما الذي يردي الوصول اليه ..
قالت هانا و هي تنهض لتنظيف المكان :
- فيما عدا الفترة القصيرة التي قضتها هناك عندما كانت مريضة .
ساد صمت رهيب بعد حديث هانا البريء و هنا جاهدت هيلين لتقول :
- اه نعم ... هذا حقيقي !
و الحق ان هيلين نسيت فعلا هذه الفترة و لكن هيرمان لن يصدق ذلك بالتأكيد .
همس هيرمان قائلا :
- مريضة في هونج كونج ؟ لابد ان ذلك كلفها كثيرا .
- لقد تكفلت الشركة بكل مصارف العلاج لقد رحل جاك و سوزان الي المانيا و
منها الي الولايات المتحدة ثم سنغافورة و اخيرا هونج كونج و هناك اصيبت سو
يالتهاب في الاذن و لم تستطيع بالتاكيد استقلال اي طائرة فاضطرت للبقاء
هناك ثلاثة اسابيع .
سأل هيرمان بتحفظ :
- متي كان ذلك ؟
رفعت هيلين كتفيها ..
- منذ عدة اعوام ..
فأكدت هانا :
- و لكنك قلت لي ان ذلك حدث عندما كنت في انجلترا .. اي منذ حوالي خمس سنوات ..
قال هيرمان بنفاذ صبر :
- كم عمر اختك ؟ و هل هي تشبهك ؟
اجابت هيلين :
- ليس بلضبط و لكنها اكبر مني بأربع سنوت و منذ خمس سنوات كانت حاملا في طفلها الاول !
هكذا وضعت هيلين نهاية لشكوكه .
- كانت في اي شهر من الحمل ؟
هل تكذب عليه ؟ و لكنها اجابت رغما عنها :
- لا اعرف .. و لكنني اعتقد انها كانت في بداية الحمل .
رفع هيرمان حاجبيه و هو ينظر اليها بحنق و كانت هانا تاخذ الطبق الموجود امام هيلين و تقول لها :
- لقد اعددت الحلو خصيصا لك يا هيلين .. طبق سطلة فواكه الطازجة لا تتحركي من مكانك .. سأدبر اموري بنفسي ...
سأل نيكولا عندما ذهبت زوجته الي المطبخ :
- لم كل الاهتمام بامر سوزان ؟
- لأنها لو كانت تشبه هيلين ، فربما اكون قد تقابلت معها في هونج كونج منذ خمسة اعوام .
اكتست ملامح الفتاة بالغضب ... و لكنه لن يحكي اي شيء بشأن هذه القصة !
و أكد هيرمان :
- عندما رأيت هيلين ظننت انني اعرفها و خيل الي لنني رأيتها هناك و لكنها اخبرتني انني مخطيء .
قال والده بفضول :
- آه .. و اين تقابلت معها ؟
- خلال امسية ..
اكدت هيلين بصوت هاديء :
- لم تكن شقيقتي .
رفع هيرمان كتفيه قائلا :
- اتعتقدين ذلك ؟
- انا متأكدة من ذلك فشقيقتي تعشق زوجها و كانت سعيدة جدا بأمر حملها و لا اعتقد انها كانت ستقضي ليلة واحدة بعيدة عنه ..
قال هيرمان في ضحكة سيئة جدا :
- قد نعتقد اننا نعرف هؤلاء القربين منا ، و لكنهم يكونون اول ما يخدعنا .
- هيرمان !
- عندك حق يا أبي لا داعي لتذكر القديم .
ثم استدار نحو هيلين بطريقة مرعبة و قال :
- اذن تعشقين السفر فهل ذهبت الي اليونان خلال فترة اقامتك في اوروبا ؟
دار الحديث بعد ذلك حول المغامرات و الاحداث التي تقع للأشخاص في الغربة ثم
اتجه الجميع الي حجرة استقبال الضيوف لتناول الشاي و القهوة دار الحديث
حول برنامج هيرمان .. احاديثه الصحفية و مقابلاته خلال الاسبوعين القادمين
ثم تحدثو بشأن الإعداد لحفل الزفاف ثم سأل هيرمان عن الشخص الذي اختاره
جريج ليقوم بدور الوصيف خلال الحفل و هنا تبادلت الاسرة النظرات و الارتباك
واضح .
فتمتمت هانا قائلة :
- حسن ، فهو لم يتخذ قراره بعد ... و عندما علم بقدومك ... فكر في .. كان يتساءل ..
اخيرا قال نيكولا :
- كان يفكر هل ستقبل ذلك ؟
تمتم هيرمان بصوت اجش :
- ولم لا ... لقد قام بدور الوصيف لي بمهارة .
دهشت هيلين عندما سمعت هذا الحديث فلم يكن جريج قد تحدث معها بهذا الشأن لذلك التزمت الصمت ،
ثم تابع هيرمان حديثه :
- اعتقد انه طلب منك جس نبضي اولا .. هكذا هو دائما ... يحاول القاء المسؤولية علي عاتق الآخرين .
ثم نظر الي هيلين بحدة كأنه يتحداها أن تفكر في الدفاع عن خطبيها ، و لكنها
التزمت الصمت دائما .. فعندما يتطرق الموضوع لشؤون عائلية فإن تدخلها قد
يزيد الامور تعقيدا ... ومهما قالت هانا ، فهي لم تصبح بعد عضوا في العائلة
.
قالت هانا :
- لك يكن يعرف كيف ستقبل الأمر .
- لو كان يريد ان يعرف فيم افكر ، لكان يكفيه مجرد سؤالي بنفسه .
- ولكن ...
فقاطعها نيكولا :
- هيرمان محق في قوله يا هانا ن و لم يكن من حقنا ان نتحدث في هذا الشأن فالأمر يخصهما وحدهما .
نهضت هيلين لتساعد هانا في غسل الصحون و غابت في المطبخ اكثر من اللزم و
لأنها لم تجد الحجة المناسبة لعدم قضاء الامسية معهم ، فكرت في الاهتمام
بعملها في هذا الوقت و توجهت الي حجرة الاستقبال الضيوف حيث جلست علي
الكرسي الضخم المكسو بالقماش المملوء برسومات الازهار بينما جلس هيرمان مع
والته يتحدثان علي الاريكة في حين جلس نيكولا يدخن الغليون علي الكرسي
الهزاز .
و بعد قليل توجهت هانا الي المطبخ عندما دق جرس التلفون فأمسكت بالسماعة ثم قالت :
- مكالمة لك يا هيلين .. انه جريج من سيدني .
جرت هيلين لتمسك السماعة و هي تتنفس الصعداء تتحدث بسرعة سعيدة بشعورها بحب هذا الصوت الذي اعتادت سماعه فقالت بحماس :
- انني افتقدك كثييييييييييرا .
اجابها جريج ضاحكا :
- و انا ايضا .
ثم صمت قليلا للضوضاء التي علا صوتها علي الخط و اخيرا قال جريج :
- لقد اخبرتني امي ان هيرمان حضر الي المنزل .
- نعم كنت هنا عندما حضر لقد اتي مباشرة من نيويورك و كان من المؤكد انه متعب و لكنه لم يظهر ذلك .
- ان هيرمان كان يظهر حيوية دائمة .
كان جريج يتحدث بجفاء مما جعل هيلين تتساءل ما اذا كان ذلك اطراء ام نقدا
- هل قال شيئا عني ؟
- - كلا .. كلا ليس بالضبط .
هل تخبره بما قاله عن هونج كونج ؟ و لكنها قررت انه لا داعي لذكر ذلك في التلفون .
ثم اضافت :
- اغنا ... لقد سألته والدتك اذا كان يوافق علي ان يقوم بدور الوصيف لك ..
- حسن ... رائع ... لقد فكرت في ان ذلك سيمون حركة لطيفة ، اتفهمين .. و بماذا أجاب ؟
- بأنه كان يجب عليك اخباره ذلك بنفسك .
ساد صمت من جديد .
- حسن سنتحدث عن ذلك لدي عودتي ...سأعود غدا في المساء و ليس يوم الاثنين صباحا .. هل يمكننا ان نذهب لتناول العشاء معا في أي مكان ؟
- انا كلي لك !
- سنتحدث عن ذلك عندما اعود ، والآن الي اللقاء يا عزيزتي ... أحبك .
- انا ايا احبك يا جريج .
وضعت هيلين السماعة بينما كانت ترتسم علي شفتيها ابتسامة حالمة .
- هل تحبينه ؟
كان الصوت هامسا ومع ذلك قفزت هيلين من مكانها و نظرت حولها فوجدت هيرمان واقفا في ظل السلالم ...
فقالت بفخر :
- كثيرا .
- يا له من شخص سعيد جريد ! وهو هل يحبك كثيرا ؟
- بالتأكيد والا كا كنا اتفقنا علي الزواج !
- و لم هذه السرعة ؟ فقد علمت من والدتي انكما لم تتعارفا الا منذ شهرين اثنين .
- و لم الانتظار ؟ فلا انا ولا هو نري ضرورة لذلك !
تقدم هيرمان نحو النور و قال :
- هناك ألف سبب للزواج غير الحب ..
دهشت هيلين لهذه الملاحظة و قالت :
- حسن ... ما هي ؟
- قد تكونين حاملا !
- ليس هو الامر
- ربما تجذب ثروته انتباهك ..
- ان المال لا يمثل قيمة كبيرة كما قلت منذ قليل ، و جريج يملك مزايا عديدة
في نظري فهو جذاب ذكي .. كما انه ليس في حاجة الي ان يدعي انه تقابل مع
شخص ما قبل حتي ان يتعرف عليه ..
اكتفي هيرمان بابتسامة سريعة ثم قال :
- و من ناحية المظهر ؟
- ماذا تقصد بالمظهر ؟
- يبدو انكما متحمسان ، و قد يجذبكما المظهر و الناحية الجسدية لشيء اخر اعمق ان ذلك يحدث كثيرا .
- اشكرك علي كل حال و لكننا ناضجان بالدرجة التي تسمح لنا بتقدير مشاعرنا بدون مساعدة احد .
هيلين ...
و عندما دلفت الي حجرة استقبال الضيوف وضع هيرمان يده علي ذراعها و قال :
- انا اعتذر عما بدر مني .
ثم تركها نادما ووضع يده علي شعره كأنه يحاول تصفيفه .
- لا تحقدي علي كثيرا ... اتعرفين انه بعد فشلي في الزواج ، اصبحت متشككا
من وجود اي عقبة في طريقي ، فلأن يشعر الانسان بالحب يوما بعد يوم .. فذلك
لا يمثل لي ايه اهمية !
- فلا ترتكبي نفس الخطأ مثلي !
و الحق أن فشله في الزواج لم يكن السبب الوحيد في موقفه هذا ، اقتنعت هيلين
بحديثه و شعرت بأن غضبها يتلاشي شيئا فشيئا و عندما نظرت اليه في النور
لاحظت انه مرهق و مضطرب كما شعرت انه يعاني الوحدة و انها ترغب في مواساته و
لكنها و لكنها تخاف من ذلك .
بعد قليل ن توجهت الفتاة الي حجرتها و ارتدت قميصا من القطن المزهر كانت
هانا ق\د اعدته لابنة اختها ثم فتحت النوافذ الصغيرة للحجرة ذات سقف
المنحني ليتسلل منها الهواء الربيع المنعش لمدة دقائق قبل ان تخلد الي
النوم و ما ان قررت التوجه نحو فراشها حتي سمعت صوت طرقات خفيفة علي باب
الحجرة .
لابد انها هانا لتستفسر عن رأي هيلين في ابنها .. فكيف تخبرها بذلك بدون ان تسبب لها الضيق ؟
و لكن الطارق لم يكن هانا ن بل كان هيرمان الذي وقف مستندا علي الباب حتي كاد يقع عندما فتحت له هيلين .
القت الفتاة نظرة الي الخارج فلم تجد احدا و عندئذ تمتمت قائلة :
- ماذا تريد يا هيرمان ؟
- اريد ان اقول لك تصبحين علي خير !
كانت عيناه تشعان ببريق رقيق و كان هيرمان ينظر اولا الي وجهها ثم الي
كتفيها ثم الي جميع اجزاء جسدها و كان يرتدي برنسا من النسيج الابيض و قد
احكم غلق ازراره حتي النهاية .. ربما علي سبيل الحياء و لكنه كان يعكس لون
جسده البرونزي واضحا .
قالت هيين بجفاء :
- حسن ، تصبح علي خير !
و ما ان حاولت إغلاق الباب حتي وضع هيرمان يده علي المقبض ليحول دون غلقه فقالت هيلين :
- هيرمان ...
- هل كانت شقيقتك ذات شعر اشقر منذ خمس سنوات ؟
- كلا ! ألن تكف ابدا عن ذلك ؟ لماذا تتشبت برأيك الي هذا الحد ؟
- هل كانت عيناها خضراوين مثلك ؟
- ان عينيها تميلان الي اللون الرمادي اكثر من اللون الاخضر .لكن ...
- وهل كانت بها شامة غريبة الشكل اعلي فخذيها من الناحية اليسري .. اليس كذلك ؟
- كلا !
و بغضب شديد ابعدت هيلين يده بعنف عندما حاول ان يشير له اين توجد الشامة التي يتحدث عنها ثم قالت بصوت مختنق :
- - لم يكن لديها شامة في اي مكان من جسدها و الآن كف عن مضايقتي يا هيرمان و الا انادي من في المنزل ، تصبح علي خير !
و حاولت ان تركله في قصبة ساقه و لكنه ارتد الي اتلوراء متفاديا الضربة ، و
اخيراا اغلقت الباب في وجهه ثم اغلقت المزلاج ايضا و استندت بظهرها علي
الباب بينما قلبها يكاد يتوقف عن الحركة و عندما سمعت وقع خطواته يبتعد
جاهدت الفتاة لكي تبتعد قليلا و عندئذ لاحت لها صورتها عبر مرآة الحجرة
فشعرت بخوف شديد عندما لاحظت شحوبها و فجاة اصبحت ملامح وجهها اكثر قساوة و
لمعت عيناها و شعرت بأنها ترتجف و انها فقدت كل قوتها ثم بدات ترفع ببطء
قميص نومها وتجمدت في مكانها عندما لاحظت اعلي الفخدين لديها ... شامة علي
شكل هلال .
**************************
الفصل الثالث
- انت كثيرة السكوت !
- مم ؟
افاقت هيلين من احلامها و نظرت الي الرجل الذي يقود السيارة بجانبها .
- آه كنت افكر فقط ..
- في اي شيء ؟
ابتسم جريج و هو يثبت نظراته علي الطريق امامه و كان سعيدا حقا بسماع صوت رفيقته بجانبه و لكنها قالت :
- آه في اشياء ليس لها اهمية ، مثلا الي اي درجة أحبك .
اوقف جريج السيارة بعنف محاولا التظاهر بالدهشة لسماعه هذا الاعتراف و لكنهما انفجرا في الضحك فاستراحت هيلين قليلا .
و لكنها قررت الا تخبر جريج بتصرفات هيرمان و احتقاره لأن خوض مثل هذا
الحديث العقيم اصبح متأخرا جدا فمنذ عودة جريج من استراليا من حوالي ثلاثة
ايام و هناك جو من التفاهم و الهدوء بينه و بين اخيه و لا تريد هيلين تعكير
هذا الجو بلأضافة الي ان هيرمان يبدو كما لو كان قد نسي سوء التفاهم هذا
.. من اؤكد انها تلقت صدمة رهيبة عندما حدثها عن هذه الشامة و لكنها تماسكت
بسرعة و لم تكن ابدا تعتقد انها رفيقة غير منسية في حياة هيرمان نايت ..
انها مجرد صدفة ولو انها غريبة حقا .
قال جريج :
- أخشي ان تكوني قلقة بعض الشيء بشأن دعوة هيرمان هذا المساء
- و لم ذلك ؟ اتمني يا جريج الا تكون منزعجا لفكرة ان تطلب منن اخيك ان
يكون وصيفك ! اعتقد انك تحدثت اليه في ذلك في الليلة السابقة و ان كل شيء
اصبح علي ما يرام .
- لقد تحدثنا عن اشياء كثيرة و الحق انني كنت اريد ان اعرف هل مازال يحقد
علي بسب ما حدث بيننا فيما مضي و لكنه اخبرني انها حخكاية قديمة و كان مجرد
تفكيري فيها يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة اليه لقد قال لي بالحرف الواحد يجب
ان تكتشف ذلك بعينيك ماذا يعني بذلك ؟ انا لا افهم !
- اعتقد ان الأمر اصبح ايجابيا ، اليس كذلك ؟ و ربما يريد ان يؤكد لك انه
لم يعد يحقد عليك .. و انه فعلا قادر علي نسيان هذه القصة و عدم الاهتمام
بها .. لماذا لا تفعل انت ايضا ؟
- لأنها لم تكن ابدا عديمة الاهمية !
فوجيء جريج بثورته هذه اكثر من مفاجأة هيلين نفسها و لكنه سرعان ما هدأ ثانية و ابتسم معتذرا ، فقال :
- اعتذر يا عزيزتي و لكن ذلك السبب الاضطراب الذي يسود حياتنا ! و لم اكن
ابدا اتخيل انه سينسي ذلك و لكن لو كان ذلك حقيقيا فلماذا لا يتحدث الي
بصراحة ؟ انه يعلم ان حديثه معي سيريحني كثيرا .. فأنا اشعر دائما
بالاضطراب في وجوده .. الم تلاحظي الطريقة التي ينظر بها الينا ؟ كم ذلك
مزعج !
- يقال ان المؤلفين اكثر الناس تأملا و ملاحظة و لابد انه هو الامر بالنسبة
له و ان كان يشوب ذلك بعض التشويه للمهنة .. و مهما كان لم يكن هيرمان
ليدعونا علي العشاء هذه الليلة لو كان مازال يحقد عليك كما انني اشعر انه
صريح جدا .
ولابد انه يفكر في جذب انتباه هذه الــ ... التي دعاها معنا .
اضافت هيلين هذه الجملة الاخيرة و هي تبتسم و كان هيرمان ينوي مقابلتهما
بصبحة صديقة قديمة تقابل معها صدفة اثناء الحديث الاذاعي قال جريج :
- لم يكن هناك داعي لأن يعذب نفسه هكذا ! ان سيان كانت دائما مغرمة به لقد
عملا في الصحافة معا ، و عندما تزوج لم تكف ابدا عن ملاحقته حتي أن اليس
ظنت في وقت ما انه علي علاقة بها ..
توقف جريج عن الحديث فجاة لقد قال الكثير ان اليس هذه هي زوجة اخيه السابقة
و لم يعد احد يستطيع ذكر اسمها في العائلة و لم يكن هناك صورة واحدة لها
في البوم الصور التي اعطته هانا لـ هيلين لتتفحصه .. تري اي نوع من السيدات
هذه المرأة لكي تنال اعجاب هيرمان لدرجة انه يتزوجها ؟
و ماذا كانت اسباب الانفصال ؟
قال جريج :
- ها نحن اولاء قد وصلنا !
اوقف جريج السيارة الـ جاجوار الزرقاء اللون علي الريصيف ثم اوقف المحرك و
فك حزام الامان ثم انحني نحو هيلين لكي يقبلها فاستجابت له بحرارة فجذبها
جريج نحوه بشدة .
و الحق انه عندما تقابل معها لأول مرة كاد الامر ينتهي بهما الي فراش جريج و
لكنها اخبرته انها عذراء فتراجع جريج و تعامل معها باحترام ولم يكن يريد
منها ان تقدم علي اي عمل مالم تكن ****ة عنه ، كما انه كان يريد ان يتاكد
من صدق مشاعرها نحوه و الحق ان طريقة تعامله معها اثرت فيها مثيرا ! كان
هيرمان و صديقته يجلسان معا و كانت صديقته سيان ميلر ترتدي ثوبا ابيض اللون
يكشف عن كتفيها و صدرها و كان شعرها يبدو كهالة رائعة حول وجهها الوضوعه
عليه مساحيق التجميل بعناية لافتة جدا و عندما راتهما هيلين علي شعرت علي
الفور بالحقد تجاه سيان .. شعرت بمزيج من الحسد و العجرفة في آن واحد و ان
كانت بعد ان تعرفت عليه زاد عندها الاحساس بالحسد توالت الاطباق الشهية تلو
الآخر و كانت هيلين تشعر دائما بالضيق و كان هيرمان يتذكر بعض الاحداث
التي مرت بينه و بين سيان في بداية حياتهما الصحفية ، و كانت هيلين تجلس
بجانبه هيرمان و تشعر مع الوقت بالقلق فقد كان هيرمان يتعامل معها كشقيق
زوج غاية في اللطف و الأدب و بعد الانتهاء من تناول الطعام تأكدت مخاوفها
عندما وضع جريج يده في جيب سترته و هو يوقول :
- حقا هيلين لقد اتيت بجاوي سفرنا من القنصلية و حصلنا علي التأشيرة و كنت اريد ان اعطيك جواز سفرك و لكنني نسيت .
قالت سيان :
- هل سترحلون الي الخارج ؟
- نعم الي البرازيل لقضاء رحلة شهر العسل .
قالت هيلين مازحة :
- شهر العسل تخيم عليه سحابة من العمل فعلي جورج الذهاب الي البرازيل لقضاء
بعض اعماله و لم أكن اريد ان يرحل جرؤيج هكذا سريعا فور زوجنا وحيد .
و ما ان مدت هيلين يدها لتناول جواز السفر من جريج حتي اسرع هيرمان و استولي عليه قبلها و عندما همت بالأعتراض رفع حاجبيه قائلا :
- هل هناك ما تريدين اخفاءه عنا يا هيلين ؟
خفف هدوء صوته من حدة الموقف و ما كان منه الا تناول الكتيب الازرق و بدأ يتفحصه .
- ربما كان هناك رحلة الي كولمبيا او الي مثلث الذهبي تريدن الاحتفاظ بها سرا ؟
- كلا بالتأكيد !
ما الذي يمكنها عمله حتي لا يبدو رد فعلها غريبا الي هذا الحد ؟
اتتحجج بأنها لا تريده ان يري صورتها الموجودة في جواز سفرها عندما كانت في
الثامنة عشر من عمرها ؟ و كان ذلك قبل سفرها الي المانيا لدي سوزان و جاك
عندما كانت وجنتيها غائرتين و كان شعرها طويلا و مقصفا الحق انها كانت تبدو
كالشبح في هذه الصورة ! فقد كانت مريضة في ذلك الوقت .
قالت هيلين و هي تراه يتفحص العلامات الموجودة بجانب الصورة :
- ليس هناك اي علامة مميزة .. لو كان ذلك ما تبحث عنه .
لحسن الحظ لم يكن من الممكن ان تظهر الشامة في الصورة !
بدأ هيرمان يتفحص جواز السفر المملوء بالأختام و هو يبتسم و فجاة ارتجف و اعاد صفحتين الي الوراء بيد مرتعشه و هنا تجمدت ابتسامته .
- كنت اعتقد انك لم تذهبي ابدا الي هونج كونج ..
- هذا حقيقي .
و بدون ان تنبس ببنت شفة مد هيرمان جواز السفر نحو هيلين و كان هناك ختمان
لوازرة الهجرة التاعبة لهونج كونج .. شعرت هيلين فجأة بتقلص في معدتها و
قالت :
- أنا ... لكن ذلك مستحيل ، انا لا افهم ..
علق هيرمان و هو يركز نظراته الكئيبة و المتهمة علي وجه الفاتاة :
- ربما يكون قد قام شخص بسرقة جواز السفر و استخدمه قبل ان يعيده اليك ثانية .
شعرت الفتاة برأسها يحترق و كادت تفقد الوعي .
ثم تمتمت قائلة و هي تنظر الي خطيبها مستعطفة :
- لا بد ان هناك سوء تفاهم ...
ثم اضافت :
- انا لم اذهب ابدا الي هناك يا جريج ، اليس كذلك ؟
و قبل ان يفتح جريج فمه قاطعه هريمان :
- و كيف له ان يعرف ذلك ؟ انظري الي تاريخ الختمين ...
لم تكوني قد تعتلافت علي جريج في هذه الفترة ! اظري الي التاريخ يا هيلين .
ازدادت دقات قلبها سرعة حتي كاد يتوقف فوفقا للتاريخ كانت هيلين قد ذهبت
الي هونج كونج منذ خمس سنوات اي في التاريخ الذي اكده لها هيرمان عندما
تقايل مع هذه الغريبة الغامضة .. كانت الفتاة تفقد وعيها تماما و كانت تحرك
شفتيها بدون ان تنطق بكلمة واحدة .
رمي جريج شقيقه بنظرة غاضبة و قال :
- دعيني أري ذلك يا عزيزتي .
ثم تناول جواز السفر من يدي هيلين الجامديت و بعد ان تفحص الختمين بسرعة رفع رأسه مبتسما و قال :
- نعم لقد قضيت يومين في هونج كونج دون ان تتذكري ذلك و ليس هذا غريبا وفقا للظروف .
قال هيرمان متسائلا :
- اية ظريف ؟
قال جريج بلهجة جافة :
- ما هذا ؟ بأي حق توجه هذه الاسئلة الي هيلين كما لو كانت متهمة ؟
- أري فقط انه شيء غريب ان ينسي شخص ما قيامه بمثل هذه الرحلة !
قاطعته سيان و هي تنظر الي هييلين بحرارة :
- آه ليس ذلك بالشيء الغريب .. لقد كانت اقامتها هناك قصيرة ! فأنا نفسي لا
اتذكر بعض الاماكن التي ذهبت اليها ... خاصة عندما افرط في تناول
الكحوليات ...
فشلت محاولتها لتهدئة الجو رغم ذلك و لكن هيرمان قال بصوت جاف و هو ينظر اليها بعنين حادتين :
- فقدان الذاكرة يا هيلين ؟ هل حدث ذلك بسبب تناول الكحوليات ؟
لم تستطيع هيلين الدفاع عن نفسها و لكن جريج قال بغضب بارد :
- لو كنت تريد الحقيقة يا هيرمان فقد كانت هيلين مريضة جدا اثناء قيامها
بهذه الرحلة .. ولو دققت النظر في الختم الثاني لفهمت انها ذهبت الي هونج
كونج و هي في طريقها الي انجلترا لقد كانت في طريقها الي لندن لاجراء عملية
جراحية انقذت حياتها .
- جريج !
لم يهتم جريج باعتراض هيين و كان سعيدا بوقف شقيقه عند حده .
- كلا يا هيلين .. فلا دخل لـهريمان بهذه القصة كما انه يتردد عن متابعة هذا الحديث مهما كان يضايقك ...
ثم وجه حديثه الي أخيه قائلا :
- نعم كانت هيلين مريضة بورم في المخ و قد أكد الاطباء انه لا علاج لهذا
الورم بالتدخل الجراحي و في هذه الحالة كان العلاج كيميائي غير مجد ايضا و
لحسن الحظ ظهرت انذاك طريقة اخري للعلاج بالليزر في لندن و كان هذا العلاج
يلائم مرض هيلين كثيرا .. بالإضافة الي ان هذا الورم كان يسبب لها فقدانا
في الذاكرة أرايت يا هيرمان ان نسيان هيلين لهذه الرحلة له مبرره .
ساد صمت رهيب بعد ذلك و شعرت هيلين بضيق فظيع كما انها كانت غاضبة جدا من
جريج الذي يشعر بالإنتصار فقد كان كل ما يشغله هو مهاجمة هيرمان كثر من
فكرة دفاعه عنها و لم يكن فعلا يهتم بها لدرجة انه لم يهتم بما ستسببه لها
هذه الذكريات الأليمة عندما يتحدث عنها حول مائدة طعام في مطعم ما .
قال هيرمان اخيرا :
- اعتذر يا هيلين ... لم اكن اعرف ..
- لا تعتذر يا هيرمان ..ز فلم يكن بوسعك ان تعرف ذلك .
تدخل جريج قائلا :
- في المرة القادمة حاول معرفة الحقائق اولا قبل الحكم علي الاشياء .
و لكن هيرمان تجاهله تماما و قال لـ هيلين :
- لكن تسمحين لي .. هل دام هذا الفقدان للذاكرة طويلا ؟
كانت هذه الاسئلة تزعجها و لكنها لن تستطيع قول ذلك و الا اعطت لجريج فرصة مهاجمة اخية ثانية ، فتماسكت قليلا حتي قالت :
- انه يخص بعض أطلال الماضي .
ثم ابتسمت و تحاشت نظرات هيرمان الثاقبة لتوجه حديثها الي سيان :
- انه شيء محير جدا لدرجة انني اجهل ماذا حدث خلال هذه الفترة .. و لكنني اعتقد انه ليس هناك اشياء مهمة ..
و فجأة ظهرت الحقيقة جلية امام عينيها و جف فمها تماما و لم تستطيع النطق بكلمة واحدة ... هي و هذا الرجل ..
حاول جريج تصليح موقفه امام خطيبته فقال في خجل :
- الحقيقة وفقا لما قاله الاطباء لم تنس هيلين كل ذكرياتها فهناك طرق كثيرة
تؤدي الي ذلك و في كلمات علمية فإن الكروموسومات التي تقترن بالخلايا
العصبية تجمع هذه الذكريات و لكي تتذكرها لا بد من اعادة تفريغ هذا الجزء
من المخ عن طريق كروموسومات جديدة .. اليس كذلك يا هيلين ؟
وافقته هيلين بابتسامة شاحبة ، فقال هيرمان :
- و كيف يتم ذلك ؟
- عن طريق تجميع افكارها مثلا لاحظت هيلين انها نسيت تماما فترة المدرسة
الابتدائية كما لو كانت لم تمر بها اساسا ، و لكن بعض الذكريات كالبالطو
الواقي من المطر و بعض الملابس الصوفية الخاصة بها اعادت الي ذكرياتها
قليلا من الافكار فتذكرت فترة وجودها في الفتاء اثناء تنالها لسندويش جبنة
ثم تذكرت مدرسا قديما لها عندما سمعت صوتا يشبه صوته و في النهاية عادت
اليها ذكريات هذه المرحلة كاملة ..
قالت سيان مازحة :
- مم .. علي كل حال .. هناك بعض الاحداث في حياتي التي افضل الا اتذكرها نهائيا ..
قال هيرمان بهدوء :
- هذا اذا لم تكن تلك الذكريات محفورة في ذاكرة شخص اخر ربما يكون ذلك مزعجا اذن ..
فانفجرت سيان في الصحك و بدات بعض ذكريات المرحلة التي كان هيرمان خلالها
مجرد صحفي مبتدئ فأعجبت هيلين بهذا الحديث و ان كانت لم تعد تريد الا
العودة الي المنزل لتبدأ في التذكر و التفكير و لكن هيرمان و جريج و سيان
كانو يريدون استكمال السهرة في هذا المكان و عندما ذهب هيرمان لدفع الحساب و
ذهبت سيان الي دورة المياه استغلت الفتاة الفرصة لتقول لجريج انها مرهقة و
لكنه لم يتفهم الموقف و قال لها :
- و لكنني لم اطلب منه بعد ان يوقم بدور الوصيف في حفل زفافي كما .. انني
لم أجد الفرصة سانحة بعد ان هاجمته بشدة بسبب موضوع الجواز السفر هذا !
اعذريني لحديثي معه يا عزيزتي ولكنه يملك موهبة دائما ليضغط علي اعصابي .. كما اعدك الا ننتظر طويلا لو كنت حقا مرهقة .
لم تتوان سيان عن دعوتهم لقضاء السهرة في ملهي ليلي ممتاز و الحق ان مهنتها
كصحفية سابة قد منحتها فرصة للذهاب الي افضل الناطق في اوكلاند لذلك
اختارت ملهي روستيز حيث يذهب عليه القوم و اكثرهم تعقلا كما ان اسعار
المشروبات هناك كانت باهضة جدا .
و ما ان جلس الجميع حتي نهضت سيان طالبة من هيرمان مشاركتها في الرقص و بعد قليل تبعها جريج و هيلين .
كان جريج راقصا ماهرا و كانت خطواته مع هيلين متناسقة جدا حتي هدات الفتاة و
سعدت لكونها مرتبطة بهذا الرجل الذي تتفق معه في اشياء كثيرة ! و لكن هناك
شيء واحد يشعرها بالضيق و هو انها كانت تتمني ان تكون حبيبة له و ان تكون
منتمية اليه ... كما انتمت الي شقيقه في ليلة ما ..و لكنها سرعان ما
استبعدت هذه الفكرة من رأسها ..
كما انه لا يوجد اي شيء يثبت ذلك و فجاة اعادها صوت هريمان الي الوقاع .
- هل يمكنني اختطاف رفيقتك ؟
و بعد قليل كانت هيلين بين ذراعي هيرمان و علي الرغم من تغير رفيق الرقصة
الا انها سرعان ما شعرت بالإنسجام مع خطواته مما جعلها تشعر بخيبة الأمل .
و ما ان لف هيرمان ذراعه حول خصرها حتي ابتعجت قليلا فلم يحاول ان يقربها
منه ثانية و عندما نظرت في عينيه لم تر يفهما هذا التعبير بالإنتصار و
لكنها وجدت تعبيرا بالحزن مشوبا بالحنان لا حد له .
و فجاة قال لها :
- هل هناك خطورة لعودة المرض ثانية اليك ؟
لا داعي للهروب منه .. كما ان هذه الاسئلة من اهم مميزاته كصحفي ناجح فاجابته بصوت ملموء بالإحساس :
- اعتقد انني شفيت تمام .
فأغمض عينيه و لاحظت الفتاة ارتعاش جفونه ذات الرموش الشقراء الكثيفة و عندما لاحظت ضعفه الي هذا الحد ارتعدت و قالت هامسة :
- هيرمان !
- لقد اخبرني جريج انك فقدت والديك قبل سن السابعة عشرة فهل كان هناك من
يتولي رعايتك اثناء هذه الفترة الصعبة من حياتك ؟ و هل جاءت شقيقتك لمد يد
العون لك ؟
هزت رأسها قائلة :
- لم اطلب منها ذلك ، فقد كانت تعيش انذاك مع زوجها في المانيا و كانت
متعبة جدا في بداية حملها و لك يكن باستطاعتها مجرد نغاردة الفراش خوفا من
فقدان الجنين .
- اذن انت لم تخبريها بشيء ... و اخفيت عنها نبأ مرضك حتي .. اخبريني حتي متي ؟
لم تستطيع هيلين مقاومة اصراره اكثر من ذلك و سردت عليه كل شيء :
الآم رأسها التي اعادها الاخصائي الي وجو\د فيروس في جسمها و سلسلة من
الفحوصات الطويلة التي لم يؤكد اي شيء و ظهور الورم اخيرا و محاولة العلاج
الكيميائي و محاولة الاخصائي للحصول علي دعم من الدولة لتغطية تكاليف
علاجها و رحلتها الي انجلترا و محاولتها الاتصال بـ جاك لتطلب منه اخبار
شقيقتها سوزان بمرضها بدون ان يزعجها كثيرا .
و كان هيرمان يستمع اليها كما لو كان يعيش نفس الآمها و أحزانها من جديد لدرجة انها بدات تشعر بالفزع ثانية و اخيرا همس قائلا :
- كنت صغيرة و وحيدة ...
- و لكني كنت محاطة بالأصدقاء يا هيرمان كما انني لم اكن طفلة ! و هذه
التجربة جعلتني قوية فلأحساس بدنو الموت جعلني ابدو متماسكة و جعلني ما
احدد ما اريده بالضبط من الحياة فبدات اقيم الاشياء من الجديد كالحب مثلا .
- و لكنك لم تجدي من يحبك و يساعدك في هذه الفترة حيث كنت بحاجة شديدة الي المساعدة اليس كذلك ؟ كما ان العلاج الكيميائي قاس جدا ...
- الشعور بالغثيان و الهزال فقط لا غير كما انني لم اضطر باللشعة و لم افقد شعري .. كل ما حدث انه اصبح فقط ...
اختنقت الكلمات في حلق هيلين و لكن هيرمان قال :
- اصبح لونه اشقر
قالت بصوت خفيض :
- لقد نسيت ذلك تماما او ربما اردت نسيانه .
- كنت متأكدا ان لونه لا يلائم لون بشرتك .. كما انني لم اتصور انك تفضلين الظهور بشعر اشقر ...
اكتسي وجهها بحمرة الخجل فاخذ ينظر اليها مبتسما و فجاة قال لها :
- هل تنوين إخبار جريج ؟
- اخباره بماذا ؟
- بما حدث في هونج كونج ؟
- و لم ذلك ؟ فانا اجهل ما حدث و لا اعرف الا ما اخبرتني به لماذا فكرت في ذلك ؟
- يمكنك اخباره بالتفاصيل ، الا تريدين ذلك ؟ انت لا تتذكرين شيئا الان و لكن من يعرف فيما بعد ؟ فقد ذهبت في هذه الليلة الي ..
قاطعته هيلين :
- هيرمان ... انا اقدر معاونتك لي ، و لكن لا داعي لذلك انها مجرد صدفة فقد
تلقيت تربية صارمة و لم اكن ابدا من النوع الذي يفكر في قضاء ليلة مع شخص
غريب .
- و لكنها ليست مغامرة ، كما ان ذلك لا يعد خرقا لعادتك و تقاليدك ، مجرد فتاة استغلت الفرصة لتصبح امرأة ...
- و لكنها ليست انا ! مستحيل ! فأنا ما ازال عذراء .
تعثر هيرمان في وقفته و اعتذر ثم نظر الي رفيقته بثبات في عينيها .
- هيلين ، هل تظنين انك مازلت عذراء ، هذا مستحيل !
سكتت الفتاة و هي تهز رأسها غير مصدقة ثم قال ثانية في لطف :
- هذا يعني انه لم يقترب منك اي رجل غيري .
تقلص وجه الفتاة في ذعر شديد .
- لا تتشبتي بهذه الفكرة يا هيلين حتي لا تصابي انت و جريج بخيبة امل اذا تخيلت ...
- كفى يا هيرمان ! كيف تجرؤ ؟
- اجرؤ لأن ذلك ضروري يجب ان تواجهي الحقيقة لقد كنا حبيبين يا هيلين و لم يقتصر الامر علي مجرد ليلة عابرة ...
- هل قرأت قصة ملاك في الظلمات ؟
انفجرت اسارير الفتاة بعض الشيء و تجابت :
- كلا لم اجد الوقت المناسب !
- حسن يجب ان تقرئيها ! فبطلة القصة هي أنت !
- ماذا ؟
جذبت صرخة هيلين الفزعة انتباه الراقصين من حولهم .
تابع هيرمان حديثه :
- انها قصة لقائنا لقد نجحت ان تجعليني افهم خلال هذه الليلة كل معاني
الحياة و الحب و الخلق انني كتبت هذه القصة تكريما لأمرأة لم تسعفني الظروف
لن اشكرها بنفسي ...
حتي ذلك اليوم .
لم تصدق هيلين ما تسمعه و تمتمت :
- لماذا تتصرف معي بهذه الطريقة ؟ ماذا تريد مني في النهاية ؟
هكذا تتحدث دائما عن ماض لم اكن ابدا مسؤلة عنه بل و لا ازال غريبة عنه !
اخيرا تماسكت الفتاة و لكن هيرمان كان ينظر اليها بابتسامة غريبة علي شفتيه ثم قالت هيلين بحماس :
- ارجوك لا تحاول اتعاس جريج بهذا الحديث !
انت تريد ان تجعله يدفع الثمن و لك ما تريد و لكن لا تفعل ذلك من خلالي ! و
حسب ما أعلم فهو لم يدمر حياتك تماما ... فقد تزوجت من اخري بعد رحيل
خطيبتك ، اليس كذلك ؟ و انت لا تتصور ايادا ان جريج اراد تعذيبك عن عمد .. و
ربما لم تخلق انت و خطيبتك لبعضكما ... ؟
رمي هيرمان رأسه الي الوراء كأنها لكمة في وجهه و قال :
- اهذا ما اخبرك به ؟
- لم يكن يقصد اي شيء مما حدث اتعتقد انه وقع في حب المرأة التي اختارها شقيقه عن عمد ؟
اجاب هيرمان ببطء :
- كلا ! لا يمكن ان يفعل احد ذلك عن عمد .
فوجئت الفتاة بتعبير وجهه و شعرت انها فهمت ما يريد هيرمان قوله و قرأت في
عينيه تأكيدا هادئا و كأن الاحساس رغما عنه ... تصريح هادئ بالحرب .
قالت الفتاة بصوت مختنق :
- انا اجهل اللعبة التي تنوي القيام بها و لكنها لن تتم بواسطتي .
و كأن هيرمان و هيلين في هذه اللحظة في الطرف الآخر من القاعة بعيدا عن
سيان و جريج الجالسين علي المائدة و فجأة جذبها هيرمان وراء احد الاعمدة
منذ متي و هما يرقصان ؟ ان هيلين لا تستطيع تحديد هذه المدة ...
وربما كان امد الدهر .
- هيرمان ...
و لكنه اسكتها بقبلة علي شفتيها بينما تلتف يداه حول خصرها كان يقبلها
بحرارة غريبة و عندما ابتعد عنها كانت وجنتاها مخضبتين باللون الاحمر و
الانفاس تكاد تكون متقطعة .
و فجاة لمعت عيناها ببريق الغضب علي الرغم من نظرات هيرمان التي تشتعل برغية عارمة و قالت :
- لماذا فعلت ذلك يا هيرمان ؟
- لكي اعيد الذاكرة اليك ... لكي افتح الطريق امام ذاكرتك ...
هل تذكرت اي شيء ؟
شعرت الفتاة بسخونة و برودة في نفس الوقت .
- كلا لم اتذكر شيئا و لا اريد ان اتذكر شيئا ! و للمرة الثانية ارجوك دعني و شأني يا هيرمان دعنا و شأننا انا و هو .
فاجابها بحدة جعلتها ترتبك :
- لا استطيع يا هيلين ، لا استطيع ان اتركك ترتكبين مثل هذا الخطأ .
انهت بقية الامسية كأنها كابوس و في النهاية عندما حاولت هيلين ترتيب
الاحداث في مخيلتها تذكرت انها لدى عودتها الي المائدة مع هيرمان كان جريج
هادئا جدا و اخذ ينظر اليهما باستغراب شديد كانه يشك في امرهما .
و ازدادت الامور تعقيدا عندما عرض جريج علي اخيه ان يقوم بدور الوصيف في
حفل الزفاف و كأنه القي بقنبلة في وجهه و كأن هيرمان كان ينتظر هذا العرض
لينفجر فقال له :
- لقد قمت قبل بدور ما في قصة زواج فاشلة يا جريج ولا اريد تكرار ذلك ثانية !
صمت جريج تماما و بعد ثلاث دقائق كان قد اصطحب هيلين و خرجا من الملهي .
و عندما عادت هيلين الي المنزل جلست مع نفسها و شعرت بتوتر شديد كما ان
جريج رفض ان يتحدث معها ثانية في هذا الشأن و ظل طوال الطريق شاحب الوجه
مقطب الجبين و لم ينطق بكلمة واحدة حتي وصلا الي المنزل .
لقد تسببت له هيلين في الألم و تركته يعتقد ان هيرمان سيقبل عرضه و لكنها لن تتركه يتعذب هكذا بدون كلمة واحدة .
كما من حقه معرفة الحقيقة ، و لكن اي حقيقية ؟لفصل الرابع
<blockquote class="postcontent restore ">تنهدت هيلين و هي مقطبة الجبين بينما كانت تجلس امام المائدة الخشبية
الصغيرة و قد وضعت عليها قطعا من الأقمشة المختلفة الألوان و كان ما يشغلها
هو صنع بلوفر من هذه الاقمشة و لكنها لم تنجح حتي هذا الوقت .
- يا لها من ليلة سيئة !
ثم رفعت عينيها لتري الوجه البرئ الجالس امامها كانت جيني فتاة شقراء مرحة و الحق ان هيلين كانت تعشق العمل معها .
- لنقل انها كانا ليلة متعبة .
رفعت جيني حاجبيها و قالت :
- مع شخص من ظراز جريج أظن الليلة الهادئة تصيب بخيبة أمل اليس كذلك ؟
كانت ابتسامة جيني تدل علي حيوية و سعادة مما جعل هيلين تشعر اكثر ارهاقا و
عندئذ سمعت الفتاتان ضوضاء في الناحية الاخري من المحل اي من وراء الستاءة
التي تفصل بين الـ اتيليه و المحل فنهضت جيني و قالت و هي تتجه بحماس نحو
الطرف الآخر من المحل :
- ستحكين لي كل ما حدث بالتفصيل اثناء تناول الغداء .
كانت تقصد الاحداث التي جرت لها و التي جعلتها تظل طوال الليل ساهرة بلا نوم ارتعدت هيلين بمجرد تذكرها ذلك .
لقد فكرت في حوالي منتصف الليل ان تتصل بشقيقتها في هونج كونج و فعلا اتصلت
بها و لكنها عرفت ان سوزان تنوي الخروج مع زوجها لقضاء السهرة في الخارج
بعد ان اطمأنت علي اولادها .
و علي الرغم من سعادة سوزان لسماع صوت شقيقتها الا انها ارادت الحديث بسرعة
و كان ذلك واضحا و مع ذلك نجحت هيلين في الحصول علي بعض المعلومات من
شقيقتها بشأن ماضيها .. و عرفت انها بقيت في فندق هيلتون في هونج كونج لمدة
يومين مع شقيقتها قبل السفر الي انجلترا لإجراء العملية ..
و كان جاك انذاك في طوكيو يعمل في احد فروع هونج كونج المؤقتة حتي تستطيع سوزان السفر معه عائدين الي الولايات المتحدة .
و قالت لها سوزان :
- اتتذكرين عندما تكفلت الشركة بكل المصاريفك .. فقد كنت انذاك في حالة سيئة و كنت قلقة جدا بشن الجنين و بشأنك ..
ثم وصلت انت و فوجئت عندئذ بهدوئك و شجاعتك ... و كنت غاية في الضعف و كان
شعرك ... ما حدث انك التي طمأنتيني و ليس العكس كما كان مفروضا ... و لكن
لماذا تريدين معرفة كل ذلك ؟
اجابت هيلين :
- حسن ... لقد تعرفت علي شخص يدعي انه تقابل معي هناك في العيد ... و انا لا اتذكر ذلك .
- - آه تريدين ان تقولي انك نسيا ذلك ! و انا التي اعتقدت انك تريدين تكتم امر حماقتك هذه ...
- حماقتي ؟
- ممم ... اي ! اعذريني كنت احاول وضع دبوس في شعري بيد واحدة ... و الآن
... نعم ... لم أكن اجرؤ علي الابتعاد عن الفندق حيث كنت اعاني الغثيان ،
كما كنت اخشي ان اسبب لك ضيقا و كان يبدو عليك انك تريدين قضاء وقتك كيفما
تتمنين ! لذلك اععدت لك بعض النزهات و في اليوم التالي ذهبت لقضاء العيد في
الخارج .. و لم تعودي قبل حلول الليل و كان الوقت عندئذ يسمح لك بالكاد
باستقلال الطائرة في الصباح .
- سوزان ! لماذا لم تخبريني بذلك ؟
- لانني كنت اعتقد انك تعرفين كل ذلك ! و ما قيمة كل هذا الآن ؟ انها قصة قديمة !
- و لكن ... ربما كنت قلقة ...
- لقد قلت لي يا عزيزتي في المطار قبل سفرك مباشرة : ان العلاج الكيميائي
يجعلك عاجزة عن استيعاب بعض التصرفات بصفة مؤقتة .. كانت هذه كلماتك بالحرف
الواحد .
- آه !
- و انه لا داعي ان اقلق نفسي في هذه الامور و في نتائجها الصغيرة .
- انا لا اصدق انني قلت كل هذا .
- ارجوك لا تكوني غبية ! لقد كنت
يتبع بإذن الله
</blockquote>