تربينا على فكرة ان الحمى هي شيء سيء يشكل تهديدا حقيقيا لنا، ولذلك فمن المفضل ان نحاول تفاديها، وان علينا علاج ارتفاع الحرارة عند الاطفال بشكل فوري. هل هذه الفكرة صحيحة؟
تنجم الحمى عن اسباب عديدة ومتنوعة. من وجهة نظر الطب الحديث، فان ارتفاع درجة حرارة الجسم، هو مؤشر لوجود صراع ما بين جهاز المناعة وفيروس او جرثومة دخيلة على الجسم. الادعاء السائد اليوم هو ان "الحمى ليست مرضا بحد ذاتها" انما احد الاعراض التي تشير الى الاصابة بالمرض. لذلك، فان ارتفاع درجة حرارة الجسم لا يقول اي شيء عن المرض الذي تمت الاصابة به، او عن خصائصه.
اذا اردنا الحديث عن مخاطر الحمى، فانها تبدا بالظهور بعد ان تصل درجة حرارة الجسم الى 41 درجة مئوية واكثر. لذلك، علينا ان نفصل فصلا تاما بين مخاطر الحمى، وبين الشعور بالعجز وعدم الارتياح عندما يكون الطفل مريضا.
كلنا تربينا على فكرة ان الحمى هي شيء سيء يشكل تهديدا حقيقيا لنا، ولذلك فمن المفضل ان نحاول تفاديها، وان علينا علاج ارتفاع الحرارة عند الاطفال بشكل سريع. لكن هنالك الكثير من المعتقدات الخاطئة التي كانت تعتبر "مقدسة" في السابق، وهذه الفكرة هي واحدة منها! علينا ان ندرك تماما ان ارتفاع درجة الحرارة لا يشكل اي تهديد على صحتنا.
عدم الارتياح بسبب الحمى، لا يشكل خطرا على حياة المريض!
في معظم الحالات، يتم علاج ارتفاع الحرارة عند الاطفال من اجل ان يشعر الطفل المريض ووالديه بقدر اكبر من الارتياح. هنالك الكثير مما يقال عن موضوع راحة الطفل والاهل. وبالعادة، فاننا نفضل ان يشعر الطفل واهله بالارتياح، لكن هناك بعض الحالات التي نفضل فيها - وبشكل واضح - ان يشعر الطفل واهله بقدر اقل من الراحة، في سبيل ان يقوى جسد الطفل. وهكذا، فانه سيكون اكثر ارتياحا في المرة المقبلة. مثال على ذلك - علاج الاسنان، والذي يعتبر عملية غير مريحة ولكنها تمنع الالام التي قد يصاب بها الطفل في المستقبل. هذا هو الحال ايضا حين لا يرغب الطفل بحل وظائفه المدرسية، ونحن –الاهل - نضغط عليه نظرا لاهمية الامر من وجهة نظرنا. يكون هذا المنطق صحيحا ايضا عندما يعاني الطفل من صعوبات في مجالات معينة، لكننا ندرك بانه لكي يكبر ويقوي نفسه، عليه ان يواجه الشعور بعدم الارتياح ويتغلب عليه.
الطريقة الامثل لعلاج ارتفاع الحرارة عند الاطفال...
السبب وراء ما ذكرناه في الفقرة السابقة لا يعود لعدم وجود مستحضرات ناجعة لخفض الحرارة وتحسين اداء الطفل، ولا لان هذه المستحضرات لا تستطيع اخفاء المرض وجعل الطفل يشعر بارتياح اكبر، بحيث يكون قادرا على الذهاب الى الروضة واستعادة شهيته وحيويته. اذا، ما دامت هذه الادوية موجودة، لماذا نترك الطفل يشعر بعدم الارتياح؟!
الاجابة بسيطة جدا: نجعل الطفل يشعر بعدم الارتياح لان جسمه يحارب عدوا خارجيا او داخليا، ولا ضير في ان يشعر بالقليل من عدم الارتياح اثناء ذلك.
يبذل جسم الطفل جهدا في محاربة المرض، ولا تكون لديه كامل القوى التي يتمتع بها في الحالات العادية. كما ينتاب الطفل شعور بالضعف والانهاك، ويكون اقل حيوية عما يكون عليه عندما تكون صحته جيدة. يهدف الجسم لمعرفة مسبب المرض ومحاربته، ولذلك فانه يجند كل قدراته وقوته لهذا الغرض.
هذا امر جيد... فنحن نرغب بان يستطيع جسم الطفل ان يتغلب على المرض، تماما مثل رغبتنا في ان يستطيع التغلب على تحدياته العلمية والدراسية. ونحن بالتاكيد نرغب بان يخرج طفلنا من هذه المحنة اكثر قوة وثقة، حتى يستطيع التغلب على الامراض في المستقبل.
اذا كان الطفل ضعيفا ومرهقا، يبحث عن مكان يستلقي به ويرتاح، فليس هذا الامر سيئا. علينا ان نشجعه ونشد على يده من اجل ان يبقى في البيت، حتى يصبح اكثر قوة وحيوية. هذا الامر يشبه وضعنا عندما نستثمر في مشروع مستقبلي، واذا تصرفنا وفقا لهذا المبدا، فان الطفل سيكون في المستقبل، معرضا لعدد اقل من حالات المرض، وسيحتاج لان يبقى في البيت لفترات اقصر.