السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نشأة مدونة الأسرة
للحديث عن نشأة مدونة الأسرة لا بد من تتبع المخاض السياسي الذي عرفه ظهورها, و هنا يكفي أن نرجع إلى عهد حكومة التناوب الأولى, عندما قام السيد محمد سعيد السعدي كاتب الدولة السابق المكلف بالرعاية الاجتماعية و الأسرة و الطفولة بالكشف عن عزم وزارته على إعداد مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية, و فعلا ظهر هذا المشروع الذي زعم أصحابه أنه يهدف إلى تحسين الأوضاع العامة التي تعيشها المرأة.
و كلنا يتذكر ما أثاره هذا المشروع من ردود فعل قوية رافضة من لدن المجتمع المغربي بمختلف فئاته التنظيمية و الجمعوية و الرسمية, بما في ذلك وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية في مارس 1999 التي تحفظت على الكثير من بنود الخطة, ثم تلا ذلك إصدار العديد من البيانات الرافضة من لدن رابطة علماء المغرب, و جمعية خريجي دار الحديث الحسنية, و الهيئة الوطنية لعدول المغرب, و علماء و خطباء الدار البيضاء و غيرها من الهيئات و التنظيمات, الشيء الذي تمخضت عنه فيما بعد مسيرة الدار البيضاء يوم 12 مارس 2001 , و التي اعتبرت رسالة واضحة رافضة لمضامين الخطة, و داعية إلى تبني مشروع أكثر انسجاما مع هوية الشعب المغربي وثوابته الحضارية, و قد وازتها في اليوم نفسه مسيرة مناصرة لخطة سعيد السعدي بالرباط
.
و لإخماد الضجة و إطفاء لهيب الفتنة تم استبعاد محمد سعيد هذا من الحكومة و تعويضه بالسيدة نزهة الشقروني, التي تعاملت مع الموضوع بنوع من الذكاء حيث تجاهلته بالمرة.
و كان لابد من طلب تحكيم الملك للبت في الموضوع فكان أن شكلت لجنة ملكية بتاريخ 27 أبريل 2001 للنظر في المدونة , عهد برئاستها إلى الدكتور إدريس الضحاك, غير أنها لم تتمكن من الحسم في بعض أوجه الخلاف المتعلقة ببعض فصول هذه المدونة, خاصة ما يتعلق بتعدد الزوجات, و الولاية في الزواج, والطلاق و الرفع من سن الزواج, و كان من نتيجة ذلك أن انقسمت اللجنة إلى فريقين متناقضين, لينتهي الأمر برفع تقريرين إلى جلالة الملك بهذا الخصوص في شهر يناير من سنة 2003 , بعد أن تعذر الحصول على أي توافق.
لكن سرعان ما تم تعويض إدريس الضحاك بالسيد محمد بوستة, الأمين العام السابق لحزب الاستقلال بتاريخ 22 يناير 2003, و في 12 شتنبر خلصت اللجنة إلى وضع مشروع التعديل, و قدمته إلى جلالة الملك, الذي أعلن عنه يوم 10 أكتوبر 2003 في خطابه الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة للبرلمان المغربي..و في هذا الخطاب أعلن جلالته عن إحالة المشروع الجديد للمدونة على البرلمان, الذي صادق عليه بالإجماع بتاريخ 16 يناير 2004 لينتهي بذلك ملف طالما شكل نقطة شذ و جذب في الحياة العامة المغربية.
فهذه المدونة التي لم تكن ولادتها سهلة دخلت حيز التطبيق بتاريخ 5 فبراير من سنة 2004, و قد جاءت متضمنة 400 مادة موزعة على سبعة كتب :
الكتاب الأول : الزواج.
الكتاب الثاني : انحلال ميثاق الزوجية و آثارها.
الكتاب الثالث : الولادة و نتائجها.
الكتاب الرابع : الوصية.
الكتاب الخامس : الميراث .
الكتاب السابع : أحكام انتقالية و ختامية.
و معظم هذه الكتب جاء حافلا بعدد من المستجدات , أجمعت أكثر ردود الفعل الوطنية و الدولية على إيجابياتها, لما تشكله من إصلاحات جذرية, من شأنها خلق بعض الإنصاف لمكونات الأسرة المغربية في انسجام مع روح و مقاصد الشريعة الإسلامية, و لكونها تتجاوز بعض المفاهيم الماسة بحقوق المرأة و إنسانيتها, وذّلك بإقرار مبدأ المساواة بين الرجل و المرأة, هذا المبدأ الذي طغى بشكل واضح على غالبية مواد هذه المدونة , بدءا من المادة 4 التي جعلت الأسرة تحت رعاية الزوجين معا عوض الزوج بمفرده كما كان الأمر في مدونة الأحوال الشخصية.